
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• ربما انتهت المعركة على الأرض، ولكن معركتنا مع أنفسنا لم تنته بعد، بل أظن أن هناك بدايات أسوأ، فقد اكتسبنا صفات من تهجرنا وتغربنا وتشريدنا عندهم، سافر بعض السودانيين إلى بلاد لم يروها من قبل إلا في حصة الجغرافيا في الخريطة، والذي لا شك فيه أن أغلبها تختلف عن ديننا وأخلاقنا وعاداتنا، لذلك فقد اكتسب الكثير من الناس قيمًا جديدة ربما يكون أكثرها سيئًا، التهجر لم يكن شيئًا جديدًا في التأريخ البشري أو الإسلامي، ولا حتى التأريخ السوداني، حينما يضحك رجل جاهل على حالنا في السودان برغم ثرواتنا وإمكاناتنا، لن ننظر لجهله، لكن يجب أن ننظر للواقع الذي نظر به إلينا، مكتوب علينا أن نجري للوراء ولا نمشي للأمام، كل القضية في (المحيط) الذي حولك.
كانت طبيعة عملي في الإمارات العربية المتحدة هي التعامل مع الهنود، سواء مع مجموعة المعلمين الهنود أو الطلاب الهنود، ومن قبل في السعودية عاشرت عن قرب هؤلاء الهنود، هذا الشعب المتسامح الهادئ الطيب، في الإمارات تتعلم أن تقول (متأسف) و(سامحني) أو (السموحة منك)، المحيط الذي يحيط بك يعلمك هذا، في السودان نتفاخر بقطع إشارة المرور الحمراء، وفي الإمارات لن تقطعها وهي صفراء، في السودان لا يوجد خطوط عبور للمشاة، وفي الإمارات تقف للمشاة حتى لو لم يكن هناك خطوط بيضاء للمشاة، في الإمارات تربط حزام الأمان لأمان نفسك وحمايتها، وفي السودان نعلقه (تمثيلًا) خوفًا من عسكري المرور، في الإمارات شعب طيب يتكرم بلا طلب، ويساعد بدون منٍّ وأذى، وفي السودان نتفنن لأن نلعن الحظ العاثر، الهنود يتدربون على سماحة الأخلاق جميعهم حتى غير المسلمين، يتعاونون، يعتذرون، يتأدبون، يتشبعون بقيم كلها إسلامية، فالصغار أول ما يتعلمونه كلمة (sorry)، فهذه الكلمة تشكل عندهم حضارتهم وحياتهم، وعندنا في السودان لا يقول (معليش) أو (متأسف) إلا الخايب الباطل الخواف الجبان، هكذا نصف من يقولها، مرة في حافلة كانت تقلنا ونحن طلاب بالجامعة بشارع النيل، حدث شجار بين الكمساري وأحد الركاب، فقال فيما قال الراكب كلمة (كلامك يغيظ)، فقال له الكمساري معوج لسانه (كلامك يغيظ؟) هسة عليك الله دا كلام راجل (يغيظ) دي كلمة نسوان. تخيلوا هذا الفهم من التنمر والجهر و(الرجولية)، هذه الكلمة قالها الله تعالى في كتابه العزيز (يغيظ الكفار) (هل يذهبن كيده ما يغيظ)، (ليغيظ بهم الكفار)، لذلك المحيط الذي يحيطنا هذه هي عقليته، وهذا غيض من فيض من خلال تجاربنا ومشاهداتنا، فالسلوك الجمعي لا تغيره المناهج إنما تغيره المساجد، المسجد حينما جاء في عهد الإسلام الأول، أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن المحلية إلى العالمية، في الإمارات استفادوا من المسجد، وفي الهند استفادوا من القيم التي ربتهم من خلال دياناتهم، ونحن أكرمنا الله بالإسلام فما هي مشكلتنا؟ دور المسجد توعية الحاكم وتربية الحاكم، المسجد يُقَوِّم كل تصرفاتك، فلا تكن متدينًا فقط، بل كن دينيًا، لا تكفي صلاتك وصيامك بدون أخلاق وقيم، لا يكفي اعتكافك وزكاتك بلا مكارم أخلاق، حينما جاء الإسلام لم يبدأ بالصلاة ولا الصيام، بل بدأ بمكارم الأخلاق، وتنزيه النفوس من الضغينة والكراهية، وبذر السماحة واللين في المجتمع.
العلاج أن نقوم أنفسنا بقيمة الإسلام، وأن نبني وطننا بسماحة الإسلام، وأن نرتقي كما ارتقت أمم قبلنا.
شارك المقال