نَعَم نَحنُ نورٌ، لَكنه نُورٌ أسود

15
ناجي الجندي

د. ناجي الجندي

كاتب صحفي

• لَم يَتَبَدَل شَيءٌ ولم يَتَغَيَر شَيءٌ، هُو التأريخُ يُعيدُ نَفسَه، مُصيبةُ الاختِلافِ. ورَهنُ الوطنيةِ بالمَصالحِ فتَطغى المصالحُ على الوطنيةِ، فتغير المواقف عندنا أسهل من حركة زبد البحر على البحر. لا يُوجد سؤال، لأن السؤال إن كان (لماذا) فالإجابة معروفة للجميع، فالتحليل والمنطق لا يفيد معنا لأننا نختلف حتى في ميزان هذا، فميزان الدين لا يقنعنا، لأننا نختلف في تفسيراته والإيمان ببعض نهجه، التأريخ لا يقنعنا، لأننا نختلف في فهمه وتحكيمه فينا، والتجارب لا تقنعنا، لأننا ضدها جميعها، ولن يحدث هذا إلا إذا ادعى بخار الماء أنه السماء، وإلا إذا عدنا عن تكابرنا ومغالطاتنا، وإلا إذا تنازلنا.

فلو كنّا نأمن تقسيم بلدنا، وأن يعيش الكل في سلام، لنادينا بذلك، فحين أقنعتنا المؤشرات بالتفاوض مع الجنوبيين، وانفصل ثلث البلاد عنها، في أول امتحان تعدوا على منطقة أبيي، واتحدوا مع الجنجويد في حربها على المواطن السوداني، والله يعلم ماذا سيفعلون غدًا؟ كنت موقناً بسماحة الجنوبيين، وجمالهم الأخلاقي، وحسن انصهارهم مع الشماليين، وطيب معشرهم، هم شعب هكذا، ولكن الحكومات دائماً ما تكسر كل جميل بين الشعوب.

لماذا لا يريد أن يفهم الآخرون بأننا مع الوطن؟ ولماذا لا يريد أن يفهم الآخرون بأننا حزب الوطن؟ وبأننا حزب المواطن؟ لم نتحزب يوماً ما إلا لمصلحة وطننا. لماذا لم يتوقف سيل الاتهامات حين نتكلم عن الوطن وعن هَم الوطن؟ لماذا نحن دائماً نصطف خلف الأشخاص والكيانات ونقدمهم على الوطن؟ الشخصية السودانية تحتاج إلى إعادة صياغة، تحتاج وقفة تشخيصية، لماذا لدينا كل عوامل النجاح ولا ننتج إلا الفشل؟ لماذا نملك الخيرات التي تُطمِع فينا الآخرين ونحن جوعى؟ لماذا لدينا أمهر الأطباء ويموت معظمنا بنقص العلاج؟ لماذا نتكلم ألف كلمة في الدقيقة ومنتوج العمل صفر كبير؟ لدينا عشرات الجيوش التي تقاتل بعضها، وقد اقتص كل جار لدينا بضع كيلو مترات من أراضينا تنقيصاً وتقليلاً لشأننا وقوتنا، كل الشعب السوداني يتكلم في السياسة، حتى صاروا يسموننا (الشعب السياسي)، وأعظم ما أنجبه ساساتنا أربع حكومات عسكرية، وثلاث حكومات مدنية، وكلها أنشأت 14 كبري وشارعي أسفلت ونفقين ومئات الحروب، ثم قالوا (عدس)، معلمونا طوّروا العالم كله، وعلّموا الوطن العربي من شرقه لغربه، ولا يُعَرف من علمائنا وخبرائنا إلا ما يعد على أصابع اليد، أليس هذا حري به علينا أن نتوقف قليلًا؟

 أكبر مشاكلنا هي أننا نبرع في تكوين (المشكلة) نفسها، نخلق المشاكل من لا شيء والخلاف من العدم، ولن يكون الحل بإبادة هذا الشعب الواهم، ولكن العلاج بعلاج جذور هذه المشكلة، العلاج بالوعي والتطوع في نثره بين كل اثنين وبين كل ثلاثة وبين كل أفراد المجتمع، لو انتظرنا الحكومات لتعالج هذا المجتمع سننتظر طويلاً، فليس في الأفق منقذ، ولا نرى بعين زرقاء اليمامة قريباً رجلاً  هو (المهدي)، فالمهديون اليوم في صراع طويل لن ينتهي قريباً، دعوهم تعالوا نلتقي نحن كمجتمع تسحقه هذه المشاكل وتؤخره طويلاً، نلتقي في أن نعيش مرحلة السلام النفسي، لا أعرف ولا أريد أن أعرف، لأن أكبر وهم نعيشه ونؤمن به أننا شعب (عارف كل حاجة)، موهومون بأننا قادة الأمم للنور، فيما نعيش نحن في ظلام دامس، نفقد الشيء ونظن بأننا نعطيه.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *