معتصم تاج السر

معتصم تاج السر

كاتب صحفي

• في أروقة هذا الشهر المبارك، حيث تتهامس الأرواح في سكينة الخشوع، ويخترق نور الإيمان زوايا القلوب، ويُشرق العطاء ككوكبٍ دريٍّ في سماء الرحمة، ليعكس أسمى صور الإحسان والتكافل.

وبينما تتنزل بركات الصيام على القلوب الظامئة للصفاء. هناك من يمنعه عذرٌ شرعي عن الصيام، كأصحاب الأمراض المزمنة، أو كل من أخر صيام القضاء من رمضان سابق ودخل عليه رمضان الحالي وجبت عليه الفدية بسبب التأخير في القضاء، ولا تسقط القضاء.

فالناظر لفدية الصيام يجدها كرسالة حُبٍ صافية، ترفعها القلوب إلى السماء وكأنها قبسٌ من نور الصيام، يتجلى في إطعام مسكين، وهمسة رحمةٍ تتهادى بين يدي عباد الرحمن، فيكتبها الله في سجل البركات كعطرٍ سماويٍّ يفيض على من قدمها بصدق النية وطهارة القلب.

فدية الصيام ليست مجرد أرقام تُحسب، أو جنيهات تُدفع، بل هي نبع من الرحمة يفيض من القلب، وإحساس يتدفق في شرايين الإنسانية، فيربط القادر بالمحتاج، ويمد جسور المودة بين الأيادي البيضاء والأرواح المنهكة. 

إنها لمسة حانية تمتد إلى موائد الفقراء لتغمرها دفئاً، وتزرع في دروب المحتاجين زهور الطمأنينة، تخط على صفحات هذا الشهر الفضيل قصصاً من العطاء، تتجلى فيها معاني الرحمة، التي بُعث بها سيد الخلق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الصدقات تجارةٌ مع الله، لا يُخشى فيها كساد، ولا يخسر فيها مُقدِم بل يربح الدارين، يربح الرزق حين تتنزل بركة العطاء في دنياه، ويربح رضا الله حين يلتقي بعمله في صحائف الخير يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. 

فحين يمد صاحب العذر يده ليمنح فديته أو كل متصدقاً صدقته، فإنه لا يهدي لقمة فحسب، بل يسكب من روحه ضياءً، ويبث في نسيج الرحمة خيطاً من النور، يضيء به ظلمات الحاجة وكأنها قطرات مطر تتساقط على أرض عطشى فتزهر بألوان الفرح.

1,800 جنيه في الخرطوم

1,500 جنيه في بورتسودان

مبالغ حددها مجمع الفقه الإسلامي السوداني لهذا العام لفدية الصيام عن كل يوم.

ومن كان خارج السودان، فإن الفدية تجب عليه بمقدار ما وجبت في بلده الذي يقيم فيه، ويجوز له أن يبعث بقيمتها للفقراء والمساكين بالسودان، خصوصاً في ظروف هذه الحرب.

 كما يجوز إعطاؤها لمسكين واحد أو أسرة واحدة.

الفدية وإن قُدرت بالمال، فالأصل فيها هو الإطعام العيني، وهو المدّ الشرعي من القمح أو الذرة أو التمر أو طعام غالب أهل البلد.

نعم إنها مكيالٍ من الطعام، ولكنها تعبر عن مكيال من الرحمة، وميزان من البركة، ودفقة حُبٍ خالصة، إنها صورةٌ من صور التراحم، تمتد إلى قلوب المحتاجين فتغمرها بالفرح، وإلى أرواح المعطين فتغسلها بنقاء الإحسان.

من أراد أن يزيد فإنها وربي تجارة رابحة، المشتري فيها رب السماوات والأرض، فوسعوا على المحتاجين، وارفعوا عن الفقراء ثقل الحاجة، وأغدقوا على المستحقين بما استطعتم، فربما كان عطاؤكم دعوةً ترفعها السماء، أو رحمةً تسري في أرواحكم، أو سعادةً ترتد إليكم بأجمل مما بذلتم.

فلا تبخلوا على أنفسكم بفيض من الرحمة، فقد قال سيدي رسول صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة:

«اتقوا النار ولو بشق تمرة». 

فكيف بمن جاد بأكثر وأهدى بسخاء روحٍ تؤمن أن العطاء لا ينقص المال بل يباركه، وأن الجود لا يفقر العبد بل يرفعه في مقامات أهل السماوات.

أكرموا أرواحكم بالعطاء، فهو أبقى لكم. فلتكن عطاياكم نبضاً يتهادى مع أنفاس هذا الشهر، ولتكن أرواحكم نوراً يتجدد مع كل فجر، فإن في العطاء أسراراً لا تدركها إلا القلوب التي تنبض بالحُبّ.

اللهم تقبل من والدتي، فقد حرمها المرض من أن تكون في مواكب الصائمين، فاللهم ضاعف لها أجور الصائمين العابدين، وامنحها من واسع رحمتك، وأجزل لها العطاء، واجعل أجرها مضاعفاً في صحائف البركة والخير.

اللهم تقبل من كل صاحب عذرٍ منعه المرض أو المشقة أو السفر، وامنحهم من فيض رحمتك ما يعوضهم أجر الصائمين، ويسكب في قلوبهم برد اليقين وطمأنينة القبول.

اللهم اجعلنا من أهل العطاء، وأكرمنا بقلوبٍ تحب الخير وتعين عليه.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *