ملكة الفاضل

ملكة الفاضل

كاتبة وروائية

• أخبرتك يوما عن غصن  الشجرة خارج غرفتي وعن العصفورة التي تنقر على زجاج نافذتي وهي في انطلاقتها من غصن إلى غصن، هل تذكر تعليقك حينذاك؟  لقد قلت لي ما جعلني أحلق كتلك العصفورة»  يا بخت الشجرة والعصفورة بك».  وقلت لك «يا بختي أنا بهما.» ولكن البخت لا يدوم، فقد أمرت أمي باجتثاث الشجرة. سألتني حينئذ:

– أمك؟

–  أمي ذاتها.  أو بالأصح أبي.  لقد سئم تضجر أمي ( ونقتها) الكثيرة كما قال،  وشكواها من الشجرة التي تسببت في التشقق الذي لحق بحيطان المنزل – كما تؤكد- مما يعرضها إلى خطر التساقط واحدا بعد الآخر. لا أعرف من أوحى لها بالفكرة وجعلها تطارد أبي بالشكوى حتى قرر الاستعانة بشخص يفترض حضوره نهاية الأسبوع لتصبح تلك الشجرة التي فتحت عيني عليها كتلة على الأرض. 

سألتني إن كانت أمي قد حظيت بشيء من التعليم فأخبرتك بأن أمي خريجة إدارة أعمال.  وهي  تعلن دائما عن فشل كل النظريات الاقتصادية في معالجة اقتصاد الأسرة.  تقول لك «النظريات ليست سوى أشياء على الورق». 

– هل تستخدم أمك الانترنت كثيرا؟

– ولا قليلا. تقول بأنه لوثة يمر بها العالم أجمع ولن يفيق منها إلا بعد فوات الأوان.

عندها أقنعتني بأن أحاول معها حتى تتعلم الدخول إلى (قوقل) مثلا كي تجد حلولا للمشاكل التي تعترضها .عملت بنصيحتك وصبرت على نفاد صبرها وسخريتها حتى أقنعها (قوقل) بأن تلك الشجرة ليست السبب في شروخ الجدران وتعلمت مني كيف تدخل عالم الفيس بوك وتضيف وتضاف، وكيف تكون مجموعة اسفيرية مع والدة صديقتي وأخريات أطلقن على مجموعتهن اسم ( نساء على وشك الجنون). 

ضحكت أنت كما لم تضحك من قبل كما قالت لي  رسالتك. أكاد أسمع ضحكتك.  ليست تلك القهقهة التي تتعدد هاءاتها حسب الحكاية المضحكة فأنت لست كالآخرين . لست مثلهم، فأنت تضحك برزانة وتحكي برزانة وتكتب برزانة  وتقنع برزانة.  هل تصدق أن صديقتي قالت لي مؤخرا « لقد تغيرت كثيرا يا (ضحى). صرت تفعلين كل شيء برزانة».  لا أعرف ما ذا قصدت بتلك الكلمات فأنا لا أحس بأي تغيير وأنا أكاد أقفز بين كل حركة وأخرى.  الآن أتمنى أن أقفز داخل هذه الشاشة وأخترق الذر الأخضر المتوهج والصورة غير واضحة المعالم رغم أنها واضحة بما يكفي للتأكد من هذا الشخص الذي يقف مسندا ظهره وقدمه اليمنى  إلى عمود كهرباء . الصورة لك ولكنها غير واضحة المعالم بما يكفي كأن من التقطها لا يعرف هل يجعل الشمس أمامه أم خلفه فجاءت الصورة محاطة بالغموض. هل أنت غامض هكذا؟ وهل ثمة شيء من الغضب يطل من نظراتك؟ 

قالت صديقتي معلقة على الصورة:

– لا تصدقيه.  هو ليس سوى وهم آخر صمم ( بروفايله) كما يتمنى.

– وهم ؟؟؟

–  أجل وهم. أنظري. هؤلاء هم لاعبو التنس الذين نعرفهم.  هل بينهم لاعب بحجم عمود الكهرباء؟ هل يشبه أي منهم؟

نظرت للصور المتألقة في موقع التنس المعروف وحدقت في القامات الفارعة ذات البنية القوية والأكتاف العريضة والوجوه التي تنضح صحة ورواء ووسامة . ولم تكن أنت من بينهم .  وقادتني صديقتي إلى رزمة بيانات على (قوقل) لأبطال تنس لمواسم عدة ولم يكن من بينهم شخص يشبهك. من يشبهك؟ من يشبهك؟ من أنت؟ هل أنت هو أنت؟ 

قالت أمي لأبي :

– لبنتك هوس جديد اسمه التنس. 

هز أبي رأسه بدون أن تفارق نظراته صفحة المخطوطة التي كان يراجع محتوياتها للمرة المليون وربما منذ أن فتحت عيناي على الدنيا. صدقت أمي .فأنا قد صرت مهووسة بالتنس . صرت أرتاد النادي وأجوب مساحاته الخضراء وأتنشق هواؤه الرطيب وأستمتع بأضوائه الخافتة وأجوائه المختلطة بصيحات اللاعبين واللاعبات صغارهم وكبارهم وهم يتأبطون مضاربهم أو يتبادلون الكرة الصغيرة أو يستريحون بعد جولة ساخنة أو  يتبادلون حديثا خافتا وهم جلوس على الكراسي الموزعة هنا وهناك. ولم تكن أنت من بينهم ولا من يشبهك. 

عدت إلى قوقل وويكيبيديا ومواقع أخرى تتحفك بالمعلومة أيا كانت، وسهرت الليالي ألتقط وأحفظ معلومات عن عالم التنس ثم اخترت أمسية قلت لي فيها والزر الأخضر يزهو بحضورك بأنك ستتفرغ فيها لي وحدي ومن ثم بدأت امتحاني الذي سهرت الليالي في إعداده عن تاريخ وحاضر اللعبة وأجبت أنت على كل أسئلتي بلا تردد . سألتك عن تاريخ النادي وقوانين اللعبة وعن خالد وسامي طلعت وعن فبرنر والأخوات وليامز وعن عن ويمبلدون وأسئلة جابت بنا أرجاء العالم في أزمنة مختلفة وأجبت عليها كلها بلا تردد.

وحان دورك لتسألني كما قلت وكان سؤالك لماذا كل هذه الأسئلة؟ ولم أستطع أن أقول لك بأن صديقتي العزيزة قد جعلت يقيني يهتز بل وقالت لي «أراهن على أنه لا يعرف شيئا عن التنس ولم يمسك بمضرب في حياته. كلهم هكذا.. (بروفايلات) تعبر عن أشواق فقط أو أوهام».

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *