• تواجه الجاليات السودانية في دول المهجر، وخاصة في بريطانيا، أزمة حادة تتعلق بتفكك المجتمعات وغياب الوعي السياسي السليم. فعلى الرغم من تواجد هُواة السياسة، الذين يحاولون استغلال الأوضاع لصالحهم، تسجل هذه الجماعات حالة من التضليل الثقافي والسياسي، مما أثر سلباً على الأنشطة الثقافية والاجتماعية.
لم يعد الأمر مجرد تنافس على السلطة ومشاركة السلطان، بل تحول إلى سلاح يستخدم لتفكيك المجتمعات. إذ أصبح من الشائع أن تُبث سموم الخلافات والانقسامات في حتى المنتديات الثقافية التي كانت تعتبر ملاذاً للوعي والتراث. فبينما يسعى المهنيون والخبراء إلى تقديم رؤى ثقافية وإبداعية، يتم اتهامهم من قبل هؤلاء الهواة بالجمود السياسي والموالات للأنظمة الشمولية.
تتجاوز هذه السلوكيات السلبية مجرد الهجوم على الشخصيات العامة إلى التشكيك في الجوائز والمبادرات الثقافية، بل وامتدت إلى محاولة اختراق وسائل الإعلام لفرض آراء معينة وإقصاء كل ما لا يتماشى معها. وهذا يمثل تحولًا خطيرًا يفرض قيودًا على حرية الفكر والتعبير، فضلاً عن زعزعة الاستقرار الأسري جراء هذه الصراعات التي تذهب إلى الحد الأقصى من الشخصنة والهجوم الشخصي.
إن الأجيال الجديدة، التي تتطلع إلى التغيير وتفعيل الثورة، تجد نفسها محاصرة بين هذين الاتجاهين: الأول، هو السياسي الانتهازي الذي يحاول الاستفادة من الأزمات لتحقيق أهدافه الخاصة والثاني، هو الرغبة الحقيقية في الإصلاح والتغيير التي يمثلها العلماء والمبدعون. لكن، في خضم هذا التناحر، تغيب الأصوات النزيهة عن الساحة، مما يؤدي إلى تفشي مفاهيم مغلوطة حول التغيير ومعناه.
في نهاية المطاف، يتضح أن التغيير الحقيقي يحتاج إلى تحالفات قوية بين المثقفين والمفكرين، بعيدًا عن الانتهازية السياسية. إن المجتمعات بحاجة إلى قادة حقيقيين يؤمنون بالمعرفة، ويروّجون للخير والنماء، بعيدًا عن الشوشرة التي يثيرها الانتهازيون. فالفرصة ما زالت قائمة لتحقيق الأهداف النبيلة للثورات، لكن ذلك يتطلب الوعي والتآزر في مواجهة هذه التحديات.