نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية


• لنعترف ! بأننا نعشق ذاكرة الماضي ، كهيامنا بعهد الطفولة ، نفتقد عمرا تمنينا فيه لو أننا نكبر ، كنا نرتدي ثيابا أطول من قامتنا الضئيلة ، كانت وجوه الصبيه تتلون بقطعة فحم تهب ظل أنوفهم شارب ، وبعضهم رسم أسفل فكه الأسفل  لحية قصيرة ، وكم تدثرت الصغيرات بثوب الجدة ، وحذاء الام ذو الكعب العالي ، وخلت شفاه عن  اشفاههن بالأحمر المتخبط  ، لكم حلمنا بهرولة الغد ، لعلنا نستيقظ على أننا لم نعد أطفالا ، فما بالنا اليوم نحنّ لزمان لم نكن ندرك قيمة بساطته ، كل منا يتمنى لو أنه عاد صغيرا ، لا هم له سوى اللعب ، حلاوة العيد ، وموعد حفل ببيت جار ، لنعترف بأننا نشتاق لكل ما نفقده ، ليس لأن حاضرنا متيبس بالظلام ، لكننا بحاجة لتلك المشاعر قبل نضجها ، لإحساس لم تصدمه الحياة بالجراح ، لمغامرات لم يكن فيها العقل حاضرا ، لبساطة عهد كانت فيه كل البيوت بيتا لك  ، وعلى سبيل الفقد هناك شخص لا تستطيع ذاكرة النسيان الوصول إليه ، شخص يطل طيفه إن ماج بك الحزن ، تحتاج إليه كأن لا سواه يشعر بوجعك ويهزمه ، شخص تطبطب نظراته على مخاوفك ، يقود ضحكاتك من خفوتها لجلجلة ، تحس حينها بطفولتك المشتهاة ، شخص يستوعب كل حالاتك دون أن تقصها عليه ، تراه في كل التفاصيل التى تداهم مشاعرك ، وتشتهي جواره بكل المواقف ،  كأن لا سواه سيفهمك ويحس بك ، إنه الحنين يا سادة ، ذاك الذى يحشر أنفه دون موعد ، يأخذك بحالة بكاء تؤجج  بداخلك شعور الوحدة وإن إلتف  الجميع حولك ،  يثير عليك الشوق ، لديارك ، لحبيب بعيد ، وبأضعف الإيمان يؤلب عليك المواجع بافتقاد الموتى ، ونعود لنعترف أننا لا ندرك قيمة ما بأيدينا ، لا نكترث لوجوه إعتدنا على رؤيتها ، لا نخلق السعادة ونستلذ بها ، نكره يومنا ونطمع في غد أفضل ، ونتناسى أن لحظاتنا هذه  ستصير قريبا من بنات الماضي ، وقريبا ستصبح التفاصيل من حق الذاكرة ، فلماذا نبدد اللحظات دون إحتفاء ! ، وعجبي من قوم يرون في المال سعادتهم ، يسعون لمركز مرموق ، وناطحات سحاب ، وأحلام لا تحمل سوى حصاد الثراء ، نعم أحمق  من يضيع عمره المهرول دون أن يستمتع به ، يهب وقته للعمل ولغة الأرقام ، وتفوت عليه لحظات لا تُشتري ، ولماذا نربط السعادة بالمال ! ، لا أنكر قيمته واحتياج حياتنا له ، لكني أستعجب من حياة رفاهية لا تستطعم مذاق الفرحة ، أشعر بأن السعادة هنا  متكلفة بقيود وبرستيج ،  ببساطة لماذا يراقب  الناس الناس ، يظنون الخروج عن خطوطهم المألوفة ستعرضهم للإحراج ، وربما لتقليل الشأن ، لذلك نراهم مستوحشين ، لا يجلسون مع فتية تتقابل أصابعهم في بطن صحن الفول ، لا يشربون قهوتهم تحت ظل شجرة تحتذي الرمل والتراب ، لا يفتحون قلوبهم لطبقة فقيرة أغناها الفرح بإبتسامات مشعة ، لغتهم جافة بحروف مصطنعة ، تعابير وجوههم لا تحمل الدفء والطيبة ، نظراتهم شبه غاضبة ، لا تعرف المزاح ، ولا تفهم ما معني أن يبتسم لك عابر سبيل إلتقته عيناك وسط الزحام ، لنعترف أن أيام الفقر تحمل إحساسا يقدر لحظة الفرح إن مر علينا ، تجعلك قريبا من الله في كل دعوة فرج ، تحس بمن حولك ، تبادلهم الإمتنان على كل شيء ، ولن تنسي من وقف معك ولم يتخل عنك ، بتلك الأيام تستطيع صنع الفرح ، بلقاء محبوبة تملؤك بالسعادة رغم ثقوب جيوبك الفارغة ، بجلسة على طاولة الكوتشينة تسب فيها وتلعن الحظ إن خالفك كعادته ، وتضحك بهزيمتك عند النهاية فوزا بلحظات غسلت عنك بعض هموم ، يمكننا صنع السعادة دون مال ، فقط علينا النظر لما نملك ، علينا التمسك بمن يجملون الحياة ، علينا إحتقار الحزن إن جاء كعادته دون موعد ، علينا بالحب ، ويجب أن نتذكر دائما أن لا شيء يدوم ، فغدا ستصبح كل الاشياء تافهة إن هرب منك العمر ، وغدا سيعود بك الحنين والفقد للبكاء على أيام لن تعود ، سيطالك الندم على ابخاسك لها حق التبجيل ، يا سادتي ، اغتنموا جوار الأهل ، لمة الأصحاب ، حياة الحب ، فمن هناك تولد السعادة ، ولا تجعلوا للمال سلطة على افراحكم ، حتما سيفقدها عمق البساطة ، ويقيدكم ببرتكولات تعتقل السجية  ،وتمنعكم من صدق وبساطة التعبير  ، صدقوني وإن كذبت بقولي أننا نمجد الحزن دائما ، نهبه أعظم المشاعر ، نسكن فيه ونجعل لحظات الفرح عابرة ،  ودليل تكهني على ذلك ، أننا نحزن حين نتذكر سعادة كانت لنا بالأمس رغم ابتسامتنا لوجه ذكراها.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *