
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• بدأت المحاصصات والاستنباء عن الحظوظ في مستويات الحكم المختلفة.. هذه هي آخر ابتداعات تجار (الغنائم) الطافحة الآن.. فيا لها من عاقبة.
يبدو أنه كُتب علينا إملاق لازب، فها نحن نعود فنكتب التاريخ بنفس الأدوات.. ونمارس ذات العوار، فنهدي وردة لمن لا يتنشّق إلا رائحة السلب، ونكافئ كل مارق حمل بسفاح الغنى في بطن الدولة، فيترغب النكرات حظاً من الوغول.. ولِمَ لا؟
السودان مأزوم بأبنائه أعزائي.. فأضحى موقوذة هلكوه بعصيهم وتجهزوا لأكله.
ليس هناك تعريف متألق في ذاكرتنا، ماضيها وحاضرها، يهدينا المعاني، ويفك لنا طلاسم العمالة وخيانة الوطن.. ويدلنا على المكيال الذي تقاس به أوزان وحدات الطعن في خاصرة البلاد، حتى يطلق عليها زنامة وارتزاق وتسول لمعاناة أهلنا الُمدَلَسين؟
هذا يفسر تماماً التلكؤ الذي مارسوه عقب استرداد مدني الظافرة، فانتظروا في أمكنتهم قابعين، حتى تُزَيَّن الكعكة إيذاناً باقتسامها.
فطنوا، بل ظنوا أن مقاييس العفة قد اختلت وسارت في ظلمتها، حتى ذروة القطاف.. فقدروا أن معاناة الخلق لم تأتِ بالمراد.. ولم تملأ الجيوب، وأن الفعل المستنير أكل الشوب عليهم.. فآثروا اللعب على الخيوط الأخرى فتمترسوا بلا متراس.
الفرق.. أنهم مواطنون موهومون برسم الحاكمية.. لا يمكن أن يعيشوا أمثالنا.. فثقافاتهم (وذخيرتهم) العلمية والعالمية لا بدّ أن تبدأ من علٍ.. دونها والرجوع إلى مكاتبهم (الوثيرة) وغاياتهم (الرغيدة).
لك الله يا وطني.. فيبدو أننا لا نرى لك عماراً.. ولن نراك.
نعم.. لن نراك.. ففنون الاستلاب ما زالت منتصبة بثبات. وينتظر الغاصبون بلا صبر.
الغنائم السائبة ما زالت هناك، ويزورها الفتاكون من كل صوب ليضعوا أفواههم الماصة في خاصرتها بلا رحمة.
إن لم نُمكّن خصلتي العفة والأمانة في الفعل الحاضر والمستقبلي، عوضاً عن الارتكان لمفاهيم بغيضة ورثة وممارسات بائسة، أصبحت تتبول على نفسها، فلن نصير إلى فلاح، ولا انتظار لظفر.
ما زالت في الحلق غصة، لأن الكثيرين فقدوا أرواحهم في سبيل الخلاص، ثم يقبض المقابل سياسيون وأفراد «أرزقية»، يهتفون فوق جثثهم بالنصر المبين.
نفس البائعين وذات البضائع الفاسدة، وإن اختلفت طرق التسويق.
قد نصبح نحن مثلهم إن لم نكافئ المخلصين، القابضين على الجمر، المكتوين بنار القضايا الكبرى، بدلاً من إثابة اللاهثين وراء المناصب منذ أمدٍ بلا بذل.
ها هي حملات التلميع قد دُشِّنَتْ، لذات الميامين الذين أوردونا المهالك. لذا يجب أن نقطع عليهم الطريق بترتيب دواويننا ونظافتها من الطامحين، من الذين يسعون الآن للظفر بالمقاعد والمآثر دون عطاء.
هذا الوضع المختطف والمنشول بخفة، جعل العيون تزوغ عن الشوف الواضح وتخرج عن السراط.
هذا التراث التافِر والوسخ.. لا بدّ من وأده.. بأسرع ما تيسّر .. ولا بدّ من كفكفة هذه الذهنية التي أخزانا بها المنتفعون وضهدوا بها حميتنا لسنوات طوال.
متى يفهم هؤلاء أن ما يقدم الأمم ويعمل على ازدهارها وإنمائها هو الفكر والتخطيط.. وليس النهب والاستلهاب؟؟
فمن يولّى الحكم هو القوي الأمين.. يولّى ولا يولِي نفسه.. و(القوة) في العمل.. كما أن (الأمانة) في الأداء.
شيء مقزز أن نرى مشايع الأمس ونصير الماضي.. حاضراً بين أصحاب الوجع بلا خفارة يبديها ولا عِذار يكسوه… كأنما يقول: تباً لذاكرتكم الخربة.
شيء مؤسف أن تعيد نفس الوجوه القديمة، نفس التجربة ونفس الأساليب المهترئة في التكالب على السلطة بعد أن قاربت الينوع، ليحاولوا من جديد سرقة جهود الخلق، والجلوس فوق عطائهم وتضحياتهم.
إلا أن الشيء المليح الذي ظهر بعد الحرب، هو اكتشاف مدى العقلية والاستنارة التي يتمتع بها شباب اليوم.. ففكر واحد فيهم فقط، يعادل العشرات من ساستنا المخبولين والمتورمين بعشق الكراسي، المنتفخة أوداجهم بخير الوطن وزخرف الحياة، بلا شيء يقدمونه.
سادتي.. نحتاج أن نسقط ذهنية (الأخذ) السائدة، في ازدراد أموال السحت، حتى لا تأتينا حرب مرة أخرى بسبب أفعالنا الرديئة.. ويجب أن نتعلم من بغض فسادنا طريق الصلاح، بمراجعة ممارساتنا.
60 عاماً… نفس الأصنام.. ونفس الأساليب.. وذات المفاهيم.
أتساءل.. ومرة أخرى.. لكي ينحسر حلمهم ويبقى الأمل في دولة تقوم على الأخلاق:
متى يموت هؤلاء؟؟؟
شارك المقال