«رحلة القلب» بين الحقيقة والهوى

53
Muatasim Taj Elsir

معتصم تاج السر

كاتب صحفي

• في دروب الحياة المتشعبة حيث تتقاطع الطرق بين الحقيقة والهوى نقف عند محطات الحيرة تلك اللحظات التي نُحاصر فيها بين خيارين لا نملك اليقين بأيهما أصوب. 

هناك حيث تشتد الرياح في أعماق النفس فنبحث عن بصيص نور يقودنا إلى الصواب.

الى نداء القلب في عتمة الحيرة.

كم مرة وقفنا أمام مفترق الطرق تتجاذبنا أهواء النفس وتطلعات الروح..!!؟ 

كم مرة همس لنا القلب برغبة ناعمة بينما صرخت العزيمة بصوت الحكمة قائلة: «ليس كل ما تهواه نفسك لك، وليس كل ما يثقل عليك شراً ..!!!».

في الحُبّ في العمل في القرارات المصيرية نجد أنفسنا في مواجهة هذا الميزان الخفي.

في هذه المتاهة تأتينا حكمة «إبن عطاء الله السكندري» كنسيم هادئ يزيح الضباب حين يقول: «إذا التبس عليك أمران فأنظر أثقلهما على النفس فاتبعه، فإنه لا يثقل عليها إلا ما 

كان حقاً.»

ما يثقل النفس هو في الغالب طريق الحق لأنه يحتاج إلى جهاد إلى صبر إلى قوة داخلية ترفعنا فوق مغريات الهوى.

في الحُبّ..حين يكون قلباً متيماً بشخص لا يبادله المشاعر لكنه يتمسك به لأنه يشعر أن فراقه مؤلم. 

هنا تتجلى الحكمة العطائية بوضوح: إن كان الفراق هو الأثقل على النفس فهو الأقرب للحق. 

فالحُبّ الحقيقي لا يكون تشبثاً مؤلماً ولا عبودية للمشاعر بل هو توازن بين العاطفة والعقل. 

إن كان البقاء في علاقة يستهلك الروح أكثر مما يبنيها فإن القرار الصعب المؤلم والأثقل على نفس هو الصواب.

كم من عاشق اختار الوهم لأنه كان الأسهل؟ 

وكم من قلب كسر نفسه ليحيا بعد ذلك بكرامة..!؟ 

الصواب ليس دوماً جميلاً في لحظته لكنه يحمل في طياته هدوءاً وسكينة لمن يصبر عليه.

النفس بطبيعتها تميل إلى الراحة إلى اللذة إلى ما لا يكلفها عناءً.

لكنها تُختبر في لحظات المفاضلة بين طريقين: طريق سهل لكنه فارغ وطريق شاق لكنه مملوء بالنور. 

هنا يُصبح السؤال: هل نختار ما نرتاح له..؟ أم ما نرتاح فيه بعد حين..؟

إن السفر بعيداً عن الوطن والأهل طلباً للعلم أو العمل والصبر على المحن واتخاذ قرارات تؤلم اليوم لكنها تصنع مستقبلاً أكثر وضوحاً.

كلها اختبارات لهذه الحكمة. 

فالأم التي تستيقظ ليلاً لترضع طفلها رغم إنهاكها تجد في هذا التعب حباً عميقاً لا تدركه إلا بعد حين.

والعامل الذي يصحو فجراً ليؤمن لقمة عيشه قد يتألم من شظف العيش لكنه في النهاية يصل إلى رضا النفس لأنه اختار الطريق الأثقل لكنه الأصدق.

حين نتبع هذة القاعدة في حياتنا نجد أننا نصل إلى أماكن لم نحلم بها إلى هدوء لم نتخيله وإلى حُبّ أصدق من كل حُبّ سريع الزوال. 

لأن الحق مهما كان ثقيلاً يمنح صاحبه في النهاية راحة القلب وطمأنينة الروح.

فيا أيها العابر في دروب الحيرة لا تختر الأسهل لمجرد أنه مريح ولا تفر من القرار الصعب لأنه يؤلم بل أنصت لصوت نفسك حين يشتد عليها الأمر وأفهم إن ذلك الثِقل ليس إلا إشارة إلى إن الطريق الذي تتجنبه هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه.

إنه طريق الصدق

طريق الحُبّ النقي

طريق العمل الدؤوب

طريق الصبر على الألم

إنها طرقات الصبر التي نسلكها إنتظاراً للنور الذي يأتي بعدها.

اللهم 

يا هادي الحائرين ويا نور السائرين

أرزقنا بصيرة تهدينا إلى الحق وثباتاً يعيننا على اختياره. 

اللهم 

إن التبست علينا الأمور فأجعل لنا من نور حكمتك ما ينير دروبنا

واغمر قلوبنا بالطمأنينة عند اتخاذ القرار الصعب. 

اللهم اجعلنا ممن يسيرون في درب الحق ولو كان ثقيلاً وممن يرضون بحكمتك ولو كانت مؤلمة في لحظتها.

وأبدلنا بعد المشقة راحة وبعد الحيرة يقيناً وبعد التعب فرحاً وسلاماَ

برحمتك يا أرحم الراحمين.

آمين.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *