علي النعيم

علي النعيم (أبوهالة)

كاتب صحفي

• ستظل أضلاع العملية الاستثمارية الثلاثة في ولاية الجزيرة (الحكومة، الملاك، المستثمر) في تشتت وتفرق وتكسر، ما لم يتم ردم الهوة بين الثلاثة أضلاع، وجمعها، وتشكيل مثلث هندسي (متساوي الأضلاع)، متفق حول المنفعة، بنية (الشراكة) التي يباركها الله، دون نية غدر من أي من الأطراف، بأفكار متجددة تخدم العملية الاستثمارية بولاية الجزيرة، فتعم الفائدة وتصل (جيب الجميع). 

كانت فكرة (مشروع دريم لاند) فكرة تجاوزت تقييم الامتياز (على الورق)، قبل أن تصبح مشروعاً فاشلاً صار أثراً بعد عين. حيث شهد العام 2003م ميلاد الفكرة بشراكة بين ولاية الجزيرة والمستثمر المصري الملياردير/ أحمد بهجت وملاك الأراضي بمنطقة شمال الجزيرة، لقيام مشروع سكني ضخم، يعد الأول من نوعه في السودان، إذ تم التصديق للسيد/ أحمد بهجت ومجموعته (دريم لاند) بمساحة 7.77400 متر مربع (سبعة ملايين وسبعمائة أربعة وسبعون ألف متر مربع)، بواقع سعر تشجعي بلغ (ثلاثة دولارات للمتر المربع)، ولم يكن المتر حينها يبلغ سعراً حراً يساوي (نصف دولار)، لطبيعة المنطقة الخلوية غير المستغلة. كانت الفكرة إنشاء مدينة متكاملة على غِرار مدينة دريم لاند بمصر، بحجم 250.000 بناية سكنية، بكامل خدماتها من مستشفيات ومدارس ومدن الملاهي وغيرها. بدأت الشركة في التنفيذ، وصرفت ما يقارب (المليون دولار) من تسوية الشوارع والطرق وبعض البنايات، (غير رسوم الأرض والتي لا يعرف أين ذهبت!!!).

وفجأة وبدون مقدمات جاءت حكومة جديدة للولاية وأوقفت المشروع!!! فشلت كل لجان التحكيم والمحاكم وتدخلات الرئيس شخصياً و(تعليماته) ولجانه في تحريك جمود ملف (دريم لاند)، حتى وفاة المستثمر المصري أحمد بهجت (عليه الرحمة) في مايو 2021م، وبرحيله ضاع المشروع و(مات الحلم).

أسباب عدة اجتمعت كانت سبباً مباشراً في دمار فكرة عمرانية ونهضوية ووأدها، وهي تعدّ الأولى في السودان، بسبب أطماع شخصية، وفساد لبعض النافذين، وجهل حكومة ولاية الجزيرة. وامتد جهل حكومة الولاية في أنها استغلت المساحة المجاورة للمشروع، فقامت بتخطيطها ووزعتها قطعاً سكنية أثارت حفيظة الملاك، ونشأ صراع قضائي كان هو القشة التي قصمت ظهر المشروع فانهار. الغريب في الأمر، حينما تسمع حجة كل طرف تكاد أن تقول هو الصادق، وفي مجمل القول كلهم كاذبون ولكنهم يتجملون. 

أضعنا مشروعاً كان يمكن أن يكون مثالاً لعاصمة إدارية جديدة بعيداً عن الخرطوم وزحمتها، في مسافة لا تزيد عن عشرين كيلو متراً بينها وبين مطار العاصمة الخرطوم، لأرض بور لا قيمة لها زراعياً، أو صناعياً، أو سكنياً (حتى كتابة هذه السطور)، كان يمكن أن تكون دريم لاند أنموذجاً يغري الشركات العالمية للولوج للتطوير والتنمية والإعمار والاستثمار في السودان، إذ إن كثيراً من الشركات العقارية العالمية كانت تود أن ترى (جر التمساح) في دريم لاند، لتقيّم التجربة قبل أن تقفز في ظلام. 

مات المشروع، ورحل أحمد بهجت، وماتت فكرة كان يمكن أن تكون طوق نجاة للاستثمار في السودان، نجني فيه عوائد مالية سهلة تفوق البترول والذهب. ستظل بلادي وولاية الجزيرة في ذات الضياع ما لم تجتمع أضلع العملية الاستثمارية الثلاثة (حكومة وملاك ومستثمر)، وستضيع كل الرؤى والآمال والأحلام في قادم السنوات ونحن نبحث عن عهد جديد لولاية الجزيرة، وشراكات عالمية جديدة لولاية فيها مشروع الجزيرة، ومشروعات السكر، ومنتجات اللحوم والألبان، والصناعات بكل أشكالها وغيرها من المشروعات القديمة والجديدة. 

كلما مررت على أطلال وخراب البنايات والفلل والتشجير والطرق التي بدأت في المشروع، أحس بغصة تسد الحلق، بعد أن عادت تلك المساحات مرتعاً للبوم، وملجأ للخفافيش و(مرعى) للغربان. 

العشم في وضع جديد مغاير يغلب المصلحة الشخصية وقانون (الجيوب) لمصلحة عامة تخدم البلاد والعباد…

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *