خالد شقوري

خالد شقوري

شاعر وكاتب صحفي

• (الشماشة) شريحة من المجتمع عصفت بها الظروف الاجتماعية إلى حالة التشرد والانعتاق من حكم البيوت واللجوء إلى الشارع الواسع.. تقتات من فتات الموائد.  يمارس الشماشة حياتهم بلا قانون سوى قانوهم الخاص، ويدينون بالولاء والطاعة لزعمائهم، ويتخاطبون بلهجتهم ورموزهم الخاصة.. ويوجدون بهذه الكيفية في كل دول العالم الغنية منها والفقيرة بلا استثناء، وباختلاف في مسمياتهم من دولة لأخرى.. ورغم تمردهم البائن إلا أنهم ينالون حقهم في الإنسانية من بعض الدول والمنظمات، البعض يتاجر بقضيتهم سياسياً.. وهم في شغل عن كل ذلك بانغماسهم في حياتهم الخاصة .. دون الالتفات إلى ما يدور حولهم وكأنهم في عالم آخر..

الواجب الإنساني يتطلب منا  الاعتراف بهم كبشرٍ لهم من الحقوق مثل ما لنا.. والاقتراب من عالمهم، ومد يد العون لهم، وانتشالهم من هذه الحالة التى تسيء لآدميتهم، وتجعلهم في قاع المجتمع.. ويتبع ذلك عدم الإساءة إليهم،  واحترام خصوصيتهم.. 

ولكن.. هذا لا يمنع من وضع سياج وحاجز يحول دون تسرب ثقافتهم وأسلوبهم ولهجتهم وطرق معاملاتهم إلى المجتمع العريض.. فهم كشريحة متمردة على كل القيم والأعراف لا ينبغي أن ينسينا عطفنا عليهم ونظرتنا الإنسانية تجاههم أن قربهم من المجتمع بهذا السلوك فيه مفسدة للأجيال، والأحرى بنا أن نعالج قضيتهم، ونقوّم سلوكهم، ثم من بعد ذلك نبدأ  مرحلة إدماجهم في المجتمع بتدرج  وتمرحل، حتى نصل إلى مرحلة الإدماج الكامل.. وبهذا التوجه نكون قد أكرمنا إنسانيتهم، وحفظنا حقهم، وعالجنا قضيتهم.  

ويجب ألا نلتفت إلى تلك الأصوات التي تزايد بقضيتهم، وتعتبر مثل هذه المعالجات انتهاكاً لخصوصيتهم، ويتمشدقون بالفن والسياسة والرمزيات الخواء   لجعلهم على هذه الحالة، ويصورنهم  كالأبطال النبلاء.. 

أما الأخطر من ذلك، هو أن ينداح أسلوبهم على المجتمع، وتصبح ثقافتهم السائدة بين الناس، ولهجتهم هي لغة التخاطب الأساسية.. وتمردهم هو الأسلوب الأمثل للحياة.. ..

ومما دفعني لكتابة هذا المنشور، الصورة  المقلوبة التي ظللنا نشاهدها ونطالعها على صفحات الأسافير وفي الشارع العام..  ولهجتهم التي أصبحت لغة التخاطب الأساسية في البيوت والمدارس والجامعات والأسواق ووسط الشباب من الجنسين.. وبدلاً من أن نغيرهم إلى الأحسن غيرونا إلى الأسوأ.. والمتصفح للفيسبوك يلحظ هذا الانحدار المريع في لغة المنشورات.. وتجد أن شرائح المتعلمين والمثقفين المناط بها تهذيب المجتمع وتثقيفه قد انجرفت إلى منحدر هذه اللغة البائرة.. وصار معيار الفصاحة هو التحدث بلغة (الراندوك).. ومعيار (الشطارة) هو استخدام أساليبهم في المعاملات. 

ويجب ألا نستغرب عندما  تغيب شجنيات عثمان حسين والكابلي، وتحتل مناكفات المغنيات والمغنين عرض الساحة وطولها..

ويجب ألا نستغرب عندما تصبح منابر الأئمة والدعاة مسرحاً للغة (الراندوك) والعنتريات..

ويجب ألا نستغرب عندما  تذوب شعارات المفاهيم النقية في فجاجة الألفاظ الهتافية التي ثقبت أذن الوعي فينا. 

ويجب ألا نستغرب.. ولن نستغرب.. ما دمنا هكذا..

يا قادة الرأي والوعي انتبهوا،  وليبدأ كل منا بنفسه حتى نخرج من هذا المأزق الثقافي.. 

فنحن بدلاً عن اقتاديهم إلى جادة الطريق، تحركنا نحوهم كالقطيع، 

وحزنت جداً عندما شاهدت مقطع فيديو لأحد مواطني الدول العربية يقلد فيه السودانيين، وقد استخدم لغة الراندوك باعتبارها لغة أهل السودان..

بالمناسبة وعشان ننتبهه أكثر: أسلوب الراندوك ما ألفاظ وكلمات بس.. هو كلام ولبس وإشارات وسلوك.. وعويج خشم،  وتمرد على كل شيء، وعدوانية وعدم احترام، ونفخة كضابة وقلة حياء.. وتحرر سافر.. 

والتغيير يبدأ من هنا.. محبتي.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *