
معتصم عيدروس
كاتب صحفي
• أتحدث عن مدينتنا ودمدني باعتبارها قد عادت إلى أهلها، وأصر دائماً على عبارة «قد عادت إلى أهلها» لأسباب معلومة، فهذه المدينة فتحت أبوابها و(كوبريها) معبراً للجنجويد بليل، ثم هرب كل المسؤولين ربما عبره أو عبر منافذ أخرى «فص ملح وداب» كما يقول المصريون.. ليجد المواطنون العزل أنفسهم بين ليلة وضحاها في مواجهة الوحش الذي صنع ثم أطلقوا له العنان ليمارس كل الموبقات في حق أهلها.
كنا أثناء احتلالها نردد دائماً أن ما بعد الحرب يجب أن يكون مختلفاً عما قبلها وفي كل شيء.. ولكن هل تغير شيء؟! مما ظللنا نردده.. الإجابة نعم، ولكن للأسف بطريقة سلبية، فقد عاد نفس من هربوا ليحكمونا وليمارسوا فينا الكذب والتضليل.. عادوا بنفس هيئاتهم، وبكل بجاحتهم ليحدثونا عن هم الوطن والمواطن.. ليحدثونا عن التعمير.. عن العمالة والعملاء، عن حرصهم على أمن المواطن وأمانه، وعن معيشته.
الآن انشغل المواطن بهمومه الشخصية.. ببيته الذي شفشف، وبعفشه الذي سرقه جيرانه، وأعرف أحدهم وجد عفشه في حظيرة القسم، فقام بعمل الإجراءات لإثبات أنه مالكه، ثم عاد إليه بعد يومين فلم يجده، وعندما سأل عنه أتاه الرد ببساطة «صاحبه أخده»! وما من ادعى أنه صاحبه إلا شفشاف محتال.
ما بعد الحرب ليس كسابقها، ولكن للأسف أسوأ وأَمَر، ففي سوق المدينة القلع على عينك يا تاجر، وفي موقف أمجاد عادت «9 طويلة أكثر تنظيماً وتصميماً على إرهاب المواطنين وقلع ما تبقى من ممتلكاتهم التي لم يستولِ عليها الجنجويد»، بل أكثر من ذلك قرأت «بوستاً للزميل أحمد الطيب – الذي كتب بالنص: «أعمال سطو مسلح لعصابات في المنطقة ما بين أركويت والمنيرة، تستهدف المارة والعائدين من صلاة العشاء.. أين الأطواف يا شرطة الجزيرة ونقاط الارتكاز لمعالجة هذه الفوضى؟؟».
ومعه نتساءل متى تقوم الجهات الأمنية بدورها في حماية المواطن.
الشاهد أن المواطنين الآن عليهم أن يرفعوا صوتهم عالياً وبدون خوف في مواجهة المسؤولين الفاشلين، الذين يفترض أن يبذلوا كل جهدهم لإزالة آثار هروبهم، وإقناع المواطن بجديتهم في العمل من أجله، على الأقل كاعتذار واجب عليهم، والخيار للمواطن لقبوله أو لا.
أحاول دائماً أن أقرأ آراء المواطنين في حاكمهم من خلال تعليقاتهم على ما ينشر من أخباره في الوكالة الرسمية، أو صفحة إعلام الولاية. ومن خلال ما أقرأه ورغم ما ذكرته أعلاه، يتأكد لي تماماً أنه شخص غير مرغوب فيه للأغلبية، ولو أتى لهم بلبن الطير.
عانى مواطنو المدينة كثيراً على المستوى النفسي من هذه الحكومة، التي أذتهم كثيراً بأفعالها، وبكذب مسؤوليها، ووعودهم المطاطة على طريقة «الفطور بكرة بالمجان، التي كانت تكتب بخط ركيك في أماكن بارزة في المطاعم قديماً، وطبعاً لا يأتي هذا اليوم أبداً».
ولنضرب مثلاً بالكهرباء، فبعد عودة المدينة إلى أهلها يوم 11 يناير 2025، كان الوعد أسبوع إلى أسبوعين، ولكن كيف يتحقق هذا الوعد إذا كانت «الشركة» لا تريد أن تصرف المال وتأتي بأطقم إضافية لأعمال الصيانة.. وكيف يتأتى الأمر وإدارة الكهرباء هي الجهة الوحيدة في السودان التي يشتري المواطن سلعتها مقدماً ولا توفرها ولا تجتهد لتوفيرها بالسرعة المطلوبة، وهي الجهة الوحيدة التي يقوم الوالي بتحفيز منسوبيها لعملهم، رغم أنهم يتبعون لشركة يفترض أن تقوم هي بهذا التحفيز، وليذهب دعم الوالي وتحفيزه لأوجه أخرى مثل محاربة الباعوض الذي ينهش أجساد المواطنين المرهقة أصلاً من معاناتهم التي لا تنتهي.
أخيراً
حسبنا الله ونعم الوكيل
أخيراً جداً
ارحل.
شارك المقال