ناجي الجندي

د. ناجي الجندي

كاتب صحفي

• هل علينا قبل أيام شهر فضيل، رمضان مبارك عليكم تصوموا وتفطروا على خير، متموم ومقبول، وتظل المواسم الدينية فرصة لنقف قليلًا مع النفس، ففي بلادنا حرب أجبرت كل الشعب أن يكون قريبًا من السياسة، ومن حقنا على أوطاننا أن نحس بحسسه وأن نبعث الروح التي ترفعه وأن تبقيه على قيد الحياة، عسى الله أن يجعل في كلمة أو سطر سببًا لـ(فك حصار) النفس، من قيود التبعية، وأسوأ تبعية تلك التي تجبرنا على خوض حرب ضد وطننا وضد مؤسساته وضد أهلنا، وضد كل جميل فيه.

منذ تأريخ البشرية كان لبقرة أن تصنع أتباعًا، ولبعوضة أن تجيش جيشًا، ولملحد أن يكون إمامًا، ولعلماء في الذرة أن يعبدوا قطة أو عقرب، ولمهرج سياسي أن يسمونه مناضلًا، ليس أسهل من صنع الأتباع ولكن الصعب أن يتحرر عبيد الطاعة في عقولهم، لا تفكر فقط افعل. القطيع الذي يتبع المرياع لا يريد أن يتحرر لأن في تحرره (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) في عقليتهم، عليهم أن يتبعوا دون تفكير أو تنوير أو نقاش، (وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)، هذا هو حال النطيحة والمتردية والموقوذة أكرمكم وأعزكم الله.

اذهب إلى الفيس بوك أو تلجرام أو انستجرام أو أي وسيلة تواصل اجتماعي واكتب (كلب) فالكلمة مجردة لا تفهم منها أي كلب تريد؟، لكن الشاهد إنك ستحرز آلاف الإعجابات ومئات التعليقات وسيظل (كلبك) موضوع قابل للنقاش والحوار والجدل، انظر الآن لسخافة الموضوع ولكثافة الأتباع.

التبعية ليست جريمة لكن الجريمة أن تكون إمعة تتبع بلا وعي وبلا فهم، قطيع لا يخالف قائده ولا يحاوره ولا يناقشه ولا يقوم إعوجاجه، فعند صلح الحديبية، وعندما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وثيقة الصلح) سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ألست نبي الله حقا؟!.

فيرد النبي باقتضاب: بلى!.

ـ  ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟.

ـ  بلى!.

 فيتساءل عمر: فلم نُعطِي الدنية في ديننا إذن؟.

ويستمر عمر في تساؤلاته الحادة: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟

يرد النبي بصبر: بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟.

 عمر: لا

 النبي: فإنك آتيه ومطوف به.

لم يكن عمر بن الخطاب تابعًا أعمى ولا إمعة بلا عقل لكنه استفسر واستمسك بحقه في الفهم والعلم حتى اطمأن قلبه، في حين موقفه هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم حق له أن يكون تابعًا دون سؤال لأنه مع الرجل الذي لا ينطق عن الهوى.

الله عز وجل لم يطلب منا أن نكون بهائمًا، بل حدثنا عن أن العقل السليم هو ذلك العق الذي يسأل في شؤون دينه ودنياه، وحادثة عمر بن الخطاب هي رسالة لأمة وليست رسالة لعمر وحده، والشواهد كثرة، لا للاحتجاج، بل للمعرفة والتي هي سلعة غالية عند العقول الفارغة، سلعة صعبة عند هواة النباح والثغاء والخوار من الكلاب والأغنام والأبقار، وإن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ويقول صلى الله عليه وسلم: «وطنوا أنفسكم»، هذا يعني أن تكون للنفوس رأي وفهم وعلم.

عندما تتجه لحزب أو جماعة أو فكر، أسأل أولًا من أنتم؟.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *