

بقلم: ناصر إسماعيل العبيد
محامٍ ومستشار قانوني
• لقد أدى التطور المذهل في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى ظهور أنماط جديدة من الجرائم، والتي أصبحت تشكل خطراً على نظم الدولة الحاسوبية. وإذا كانت الجريمة تختلف من مجتمع إلى آخر، إلا أن هناك سمات مشتركة بين مختلف المجتمعات، مما يحتم الحوجة لوجود جهود مشتركة لمكافحة هذا النوع من الجرائم، حيث لم تعد جهود الدول الداخلية كافية لمواجهتها، ولأن هذه الجرائم تمتد لأكثر من دولة، أي أنها جريمة عابرة للحدود، رغم أن هناك كثيراً من المعوقات والإشكاليات التي تواجه أو تعوق التعاون الدولي لمكافحة هذا النوع من الجرائم.
ماهية التعاون الدولي ومبرراته
التعاون الدولي يعني العون المتبادل لتحقيق هدف معين بين الدول، وتتمثل مبرراته في الآتي:
* لا تستطيع أي دولة أن تستغني عن التعاون الدولي، خاصة أن الجهود الداخلية للدول لم تعد كافية لمنع الجريمة المعلوماتية.
• الجريمة المعلوماتية تعد جريمة عابرة للحدود، مما يصعب على القوانين الوطنية الداخلية مواجهتها.
* يعد هذا التعاون الدولي خطوة لتدويل القانون الجنائي، نسبة لوجود تشابه كبير بين القواعد الإجرائية والموضوعية بين التشريعات المختلفة.

وتتمثل أوجه التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المعلوماتية في الآتي:
• التعاون الأمني الدولي الذي يعني تبادل العون والمساعدة بين الدول، للتصدي لمخاطر الجريمة المعلوماتية، وتخطي مشكلات الحدود والسيادة التي قد تعترض ملاحقة المجرمين، سواء كانت المساعدة قانونية أو شرطية أو قضائية.
* التعاون القضائي، والذي يتمثل في المساعدة القضائية، ويقصد بها كل إجراء قضائي تقوم به دولة لتسهيل مهمة المحاكمة في دولة أخرى بصدد ارتكاب جريمة معلوماتية عن طريق الإتفاقيات الدولية، بطلب من الدولة صاحبة الاختصاص بالمحاكمة، وتتمثل هذه المساعدة في تبادل المعلومات، وحضور الشهداء والخبراء من دولة إلى دولة أخرى.
• الإنابة القضائية ويقصد بها طلب اتخاذ إجراء قضائي، تقوم به الدولة الطالبة من الدولة المطلوب منها، في مسألة معروضة على السلطة القضائية في الدولة الطالبة.
* تسليم المجرمين، وهو الإجراء الذي تسلم به الدولة لدولة أخرى شخصاً تطلبه الدولة الأخيرة، لاتهامه بجريمة، أو لأنه محكوم عليه بعقوبة جنائية، حتي لا يفلت المجرم من العقاب، وقد نصت عليه كثير من الاتفاقيات الدولية.

إشكاليات التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المعلوماتية
تواجه التعاون الدولي بين الدول في مكافحة الجريمة المعلوماتية كثير من المعوقات والإشكاليات، تتمثل في الآتي :
أولاً: عدم كفاية وملاءمة القوانين، وصعوبة إثبات الجرائم المعلوماتية:
حيث إن التطور المذهل لهذا النوع من الجرائم، لا يقابله تطور بذات الدرجة في النصوص القانونية، وعدم كفاية هذه النصوص القانونية، مما يقلل جهود رجال الشرطة عن ضبط هذه الجرائم، بالإضافة إلى إشكالية صعوبة إثباتها، حيث إنها تتم بصورة خفية ومستترة، ثم صعوبة الاحتفاظ الفني بآثارها.
ثانياً: القصور التشريعي للدول والتعارض بين مصالحها:
واختلاف النظم القانونية في الدول، يعد عقبة تعترض التعاون الدولي، كما يعد تعارض مصالح الدول أحد هذه العقبات، فتلجأ كل دولة لتغليب مصلحتها ولو تعارضت مع مصالح دولة أخري.
ثالثاً: اختلاف النظم القانونية الإجرائية وتنازع الاختصاص القضائي:
أي أن إجراءات التحري والتحقيق التي تثبت فاعليتها في دولة قد لا تجدي في دولة أخرى، أو قد تكون غير مشروعة، مما يجعل الدولة غير قادرة على إنفاذ القانون في الدولة الأخري.
كذلك يعد تنازع الاختصاص القضائي الدولي أحد إشكاليات التعاون الدولي، والذي يعني تقديم الدعوى عن ذات الجريمة أو عدة جرائم مرتبطة إلى جهتين من جهة التحري أو المحاكمة، وإدعاء كل جهة اختصاصها، وهذا يسمى التنازع الإيجابي، أو رفض الادعاء، وهذا يسمى التنازع السلبي، والاختصاص يعني السلطة التي يقررها القانون للقضاء في نظر دعاوى معينة، والجريمة المعلوماتية من أكثر الجرائم التي يثار بشأنها هذا التنازع لأنها عابرة للحدود.

آليات التغلب على إشكاليات التعاون الدولي
أولاً: التغلب على القصور التشريعي للدول، والتعارض بين مصالحها واختلاف النظم القانونية، يكون طريق توحيد النظم القانونية للدول في هذا النوع من الجرائم، وعمل اتفاقيات دولية أو إقليمية، والتقليل من الفوارق بين الأنظمة الجنائية الداخلية، وضرورة التعاون الدولي في مجال التشريع الجنائي والاتفاقيات التي تزيد من التعاون والتنسيق من جهود الدول في مكافحة هذه الجرائم والتنسيق بين قوانين الدول المختلفة.
كما يجب على الدول أن تتجه لإصلاح التشريعات الإجرائية لتواكب التطورات، مثل إجراءات التفتيش لأجهزة الحاسوب وكل ما يتعلق بالتحري.
ثانياً: آلية التغلب على إشكالية تنازع الاختصاص القضائي الدولي والإنابة القضائية: هذا يكون من خلال اعتبار جميع الجرائم الإلكترونية من الجرائم الدولية، وتدخل في الاختصاص القضائي العالمي، ويعني ذلك حق الدول في ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم دون اعتبار لجنسية المجرم، أو المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، وقد نصت كثير من الدول على مبدأ العالمية في الجرائم الخطيرة، لتمارس اختصاصها في الملاحقة الجنائية.
مكافحة الجريمة المعلوماتية في النظام السعودي
عهد المنظم السعودي لمسألة الجرائم المعلوماتية بعناية كبيرة نسبة لخطورتها، فصدر المرسوم الملكي في 8/3/1428 في شأن مكافحة الجريمة المعلوماتية، حيث تصدى لها بتجريمها ومنعها، والتي تتمثل في جرائم الاعتداء على سلامة شبكات وأنظمة وتقنيات المعلومات، مثل جريمة الدخول غير المشروع للمواقع، أو اعتراضها، وجريمة الاعتداء على سلامة البيانات والمعلومات والنظم المعلوماتية الخاصة بالدولة، وجريمة الاعتداء على بطاقات البنوك والخدمات وأدوات الدفع، والجرائم المتعلقة بالمواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني، بغرض الإتجار بالبشر أو المواد الإباحية أو المخدرات، وجرائم التهديد المعلوماتي للحياة
الخاصة.

الجهود الدولية لمكافحة الجريمة المعلوماتية
أصبح لكل شخص حق الاتصال بغيره، وتبادل المنافع داخل دولته وخارجها، ولم تعد الدول تحد من ذلك كما كانت في الماضي، بسبب تقدم وسائل الاتصال ونقل المعلومات والأخبار، فالجريمة المعلوماتية أصبحت تتخطى الحدود الإقليمية عن طريق منظمات إجرامية متخصصة، مما يتطلب تضافر كافة الجهود الدولية والإقليمية لمواجهة هذا النوع من الجرائم.
وقد أولت الأمم المتحدة وأغلب المنظمات الدولية اهتماماً كبيراً بالجرائم المعلوماتية، عن طريق إبرام مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تناولت الجرائم المعلوماتية وآليات مكافحتها.
أهم هذه الاتفاقيات:
أولاً: اتفاقية برن: وهي اتفاقية عالمية لحماية المصنفات الأدبية والفنية، تعنى بحماية الحقوق الفكرية للمؤلفين وغيرهم، تم عقدها لأول مرة في برن، سويسرا عام 1986م تم إعتماد آخر نسخة منها في باريس 1971م، وقد وقعت 120 دولة على هذه الاتفاقية، وقعت عليها المملكة العربية السعودية في 11 ديسمبر 2003م، وبدأ نفاذها في 11 مارس 2004م، وبموجب هذه الاتفاقية، تتمتع برامج الحاسب الآلي بالحماية، باعتبارها أعمالاً أدبية.
ثانياً: اتفاقية تربس: والتي نظمت موضوعات الملكية الفكرية، وحماية برامج الحاسوب وقواعد البيانات، وأجرت تعديلاً على المصنفات محل الحماية المقررة في اتفاقية بيرن، ونظمت الحقوق المجاورة لحق المؤلف والعلامات التجارية وبراءة الاختراع وغيرها من الحقوق.
ثالثاً: اتفاقية حماية الأفراد من إساءة استخدام البيانات المعالجة إلكترونياً، وقد تضمنت هذه الاتفاقية المبادئ الآتية:
• الحد الأدنى من الاحتياطات التي يجب أن تتضمنها التشريعات للدول الأطراف، لحماية الأفراد من إساءة استخدام البيانات المعالجة إلكترونياً.
• ضرورة الحصول على البيانات الشخصية من مصادر موثوقة.
• أن تكون البيانات صحيحة وحديثة، وأن تراعى القواعد الشكلية للحيلولة دون استخدام البيانات الشخصية.
وهي ذات المبادئ المنصوص عليها في مجلس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد أكدت هذه الاتفاقية على اتخاذ التدابير التشريعية والتنظيمية لضمان ملاحقة مرتكبي الجرائم المعلوماتية وكشفها، وتوفير قواعد ملائمة للتحري والتحقيق والضبط والمحاكمة، وأهمية التعاون الدولي والإقليمي.
رابعاً: المعاهدة الأوروبية في مكافحة جرائم الإنترنت:
هدفها مساعدة الدول في مكافحة جرائم الإنترنت، وقد ألزمت الدول بوضع القوانين الضرورية للتعامل مع هذا النوع من الجرائم، وتعد هي الاتفاقية الوحيدة المتعددة الأطراف المعنية بمكافحة الجرائم التي تتم عبر الإنترنت، منذ دخولها حيز النفاذ 2004م على مستوى الدول أعضاء مجلس الإتحاد الأوربي، وقد وقعت عليها العديد من الدول من غير أعضاء المجلس الأوربي، مثل كندا واليابان وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد حددت هذه الاتفاقية الجرائم التي يجب أن تتضمنها التشريعات الوطنية للدول الأعضاء وهي:
الجرائم المتعلقة بأمن الشبكات والمراقبة غير المشروعة، والعدوان والجرائم المعلوماتية، وجرائم الأخلاق وغيرها من الجرائم.
خامساً: الاتفاقية الأمريكية المتعلقة بجرائم الحاسب الآلي والإنترنت:
كانت نتيجة مؤتمر عقد في جامعة ستانفورد في كالفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية 1999م، بمشاركة العديد من الهيئات والمنظمات الدولية التي اقترحت هذه الاتفاقية لتعزيز الحماية من الإرهاب وجرائم الحاسب الآلي، وقد أوجبت هذه الإتفاقية على الدول الأعضاء تبني معايير موحدة لمواجهة هذه الجرائم، وفرض عقوبات تتناسب مع خطورة هذه الجرائم، وحددت الجرائم المعلوماتية التي تمس بالمؤسسات، كما وضحت أحكام المحاولة أو المساعدة والتحريض والإغراء، والتآمر على ارتكاب الجريمة المعلوماتية وغيرها من الإجراءات القانونية الخاصة بالجرائم المعلوماتية.
شارك الموضوع