ترامب ولغة التهديد: بين تشويه الوجه الأمريكي وكشف القناع المزيف
Admin 22 فبراير، 2025 24
محجوب الخليفة
كاتب صحفي
• تُعدّ لغة التهديد والتصعيد من أبرز السمات التي ميّزت خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سواء أثناء تنصيبه وخلال الشهر الأول لفترته الرئاسية الحالية. فمنذ ظهوره على الساحة السياسية، تبنّى ترامب أسلوباً شعبوياً قائماً على الاستفزاز والخطاب الصدامي، مُوجِّهاً سهامه إلى خصومه في الداخل والخارج، غير مكترث بأعراف الدبلوماسية أو حدود التوازن السياسي.
لغة التهديد وسلاح التصعيد
لطالما شكّل الخطاب السياسي الأمريكي، حتى في أكثر مراحله عدوانية، نوعاً من الدبلوماسية الناعمة المغلّفة بالتهديد المُبطَّن، لكن ترامب كسر هذه القاعدة، متبنّياً خطاباً فجّاً لا يعترف بالحدود.
فقد هدد أوروبا بفرض عقوبات اقتصادية خانقة، واعتبر الصين العدو الاقتصادي الأول، بينما وضع روسيا في خانة التهديد الدائم. إلا أن ذروة تهوره تجلّت في مواقفه من القضية الفلسطينية، إذ ذهب إلى ما هو أبعد من الانحياز المطلق لإسرائيل، ليصل إلى حد تبني فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، مهدداً أهلها بـ»الجحيم» إن لم يخضعوا للهيمنة الإسرائيلية.
هذا التوجه يكشف نزعة ترامب نحو تأجيج الصراعات بدل احتوائها، بل إنه يختزل السياسة في صفقات القوة والضغط، متجاهلاً أي بُعد إنساني أو قانوني للقضايا الدولية. وهو بذلك لا يشوّه الوجه الأمريكي فحسب، بل يعرّي القناع الذي طالما حاولت الإدارات الأمريكية السابقة إخفاءه خلف شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بين الشعبوية والهيمنة
لا يمكن فصل خطابات ترامب عن سياق السياسة الأمريكية، التي تتأرجح بين الواقعية السياسية والهيمنة. غير أن ترامب أخذ الواقعية إلى مستوى غير مسبوق من الفجاجة، مستغلاً تصاعد النزعات القومية في الغرب، ليبرر خطابه المباشر الذي يعتمد على التهديد كأداة رئيسية. فخطابه موجّه بالأساس إلى الداخل الأمريكي، حيث يرغب في حشد قاعدته الشعبية التي ترى في تهديد العالم سياسةً ناجحة لحماية المصالح الأمريكية.
التهجير القسري من غزة: قمة الجنون السياسي
يُمثل موقف ترامب من غزة واحدة من أكثر لحظات التهور في تاريخه السياسي، إذ لم يكتفِ بالتحريض ضد الفلسطينيين، بل دعا إلى اقتلاعهم من أرضهم بحجة «ضمان أمن إسرائيل». هذا الطرح يكشف عن جهل بالحقائق التاريخية، وتجاهل فاضح للقانون الدولي، بل ويضعه في خانة القادة الذين يُهددون السلم العالمي بقرارات انفعالية خطيرة.
لكن الأخطر من خطاب ترامب هو إمكانية أن تجد أفكاره من ينفذها. فترامب، رغم مغادرته البيت الأبيض، لا يزال يتمتع بنفوذ واسع داخل الأوساط السياسية والاقتصادية الأمريكية، وقد تؤدي عودته إلى السلطة إلى سياسات أكثر متطرفاً تجاه قضايا الشرق الأوسط والعالم.
هل كشف ترامب القناع أم أعاد تشكيله؟
يمكن القول إن ترامب لم يشوّه الوجه الأمريكي بقدر ما كشف عن حقيقته المجردة. فالولايات المتحدة، وإن حاولت دائماً تغليف سياساتها بغلاف دبلوماسي، إلا أنها لم تتردد في استخدام القوة متى ما اقتضت مصالحها ذلك.
الفرق أن ترامب لا يجيد ارتداء القناع، فهو يتحدث علناً بما كان يُقال في الغرف المغلقة.
لكن في المقابل، كشف خطابه عن مدى انحدار الخطاب السياسي الأمريكي، من لغة المصالح والحسابات الدقيقة إلى لغة الغرائز والانفعالات. وهو ما قد يجعل العالم أكثر اضطراباً، ويعطي مبرراً للقوى المنافسة للولايات المتحدة، كالصين وروسيا، للتمدد عالمياً في ظل التراجع الأخلاقي والسياسي للقيادة الأمريكية.
خطابات ترامب ليست مجرد زلات لسان، بل هي تعبير عن توجه أيديولوجي وسياسي عميق داخل الأوساط اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة. وإذا استمر هذا الخطاب في الترسخ داخل المشهد السياسي الأمريكي، فقد يصبح العالم أكثر عرضة للفوضى، حيث تتحكم لغة التهديد والابتزاز في العلاقات الدولية بدلاً من الدبلوماسية والتفاوض.
القناع الأمريكي قد يكون قديماً ومهترئاً، لكن ترامب لم يكتفِ بإزالته، بل مزقه تماماً، كاشفاً عن وجه القوة العارية التي لا تعترف إلا بمنطق الهيمنة والسيطرة.
شارك المقال