د. عبدالمنعم

د. عبدالمنعم سليمان

كاتب صحفي

أخي أستاذ حسن الملك أثرت الشجون وأنت تكتب 

(( ما للزمان ببحره عيب 

لكن أنسال الأنام تعيب 

الجهل ننشره إذا قلنا 

إنا براء و الزمان عطيب 

هذا زمان قد من دبر 

و الكل في ظلم الزمان خطيب ))

يا لروعة هذه الأبيات أيها الأخ العزيز الأستاذ حسن الملك المتوج بتاج الكلمة الجزلى.

ما هذ الخيال الخصب والقول الخصيب

( الجهل ننشره إذا قلنا *** إنا براء و الزمان عطيب )

صدقت أخي الغالي إن لافتات إدانة الزمان مرفوعة دوما وكأننا براء مما أصاب جسده من بثور وأورام تسببنا فيها بجهلنا ونقلنا له المرض، بعد أن غدرنا  بقواد جيوشه واحدا تلو الآخر، فهاهو قائد فيلق الأمان الذي كان يهدهدنا في دورنا وخارجها حتى ننام قد ذبحناه والقينا جسده الطاهر النقي في غيابة الجب ليسرح اللصوص وقطاع الطرق ويمرحوا لتنهب الأموال والأملاك وتنتهك الأعراض وكان ذلك قبل  الثورة وبعدها، فكانت تسعة طويلة التي تطاولت على الأملاك والعروض  وكأنها بروفات لما يحدث الآن والكل صامت، والنقاء بين أعيننا يموت. 

(( نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا *** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ *** وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ *** وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا ))

هكذا  نتفنن أخي في عيب الزمان الذي سخر لنا الله فيه الأمن ففقأنا عينه ثم قتلناه، أو لم ينصب دراكيولا وجنده مصاصي الدماء مجزرة الإعتصام التي روعت أمان الصائمين في آخر أيام الصيام بالقيادة ووقتها كانت بعض الأجفان قد تغلب عليها الكرى فهجعت للنوم والأخرى تغالبه لتكمل وردا من القرآن مع  آذان الفجر  

( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا )

هجم التتار في هذا اليوم وروعوا الآمنين وأنتهكوا الأعراض وأسالوا الدماء وكونوا اللجان للتحقيق بعد ذلك ليعيبوا الزمان والعيب فيهم حتى النيل سليل الفراديس راعه ترويع الأمان فسالت منه الدموع، ورفع مع أمواجه التي تصطخب حزنا الجثامين الطاهرة المكبلة بالبلوكات الأسمنتية لينزع عنهم ورقة التوت الزآئفة بالبراءة .

وفي الضفة الأخرى كان الذئب يعوي قهرا و انكسارا فذئاب الأنس في جوع و نهم  تنهش لحم الصائمين بأنياب غدر في فجر يوم كانت ا

أشعته تبشر بيوم عيد ليس بما مضى بل بأمر فيه تجديد، وهكذا كأن ما جرى كان كلاكيت في أستديوهات الزمان ليعرض كأسؤا الأفلام إخراجا فيزداد عنف المليشيا التي أغمضت العيون عن عهرها، ليتشتت أبناء الوطن أيدي سبأ بين المناطق، والمهاجر، والمرافئ نازحين، مهاجرين . 

إنصرف بعد ذلك، غيلان الظلم لبناء شاهق البنيان، وظهور أبناء الوطن تثخنها الجراح، ليهدموا صروح زمان العدالة الإجتماعية و يشيعوا الفقر بين الناس ويلهبوا ظهورهم بسياط لهيب أسعار تتجاوز إمكاناتهم الضعيفة في تعبئة قفة بسيطة ذات حلم محدود في بعض الخضار  وقليل لحم يقيم أود الصغار الجائعين.

((العلم يرفع بيتا لا عماد له والجهل يهزم بيت العز و الشرف))

معيبوا هذا الزمان يتشدقون  ويعيبونه ويعقدون المقارنات الظالمة بين التعليم في ذلك الزمان المهيب  وهذا الزمان المعيب ونسوا أو تناسوا أن الشلل الذي أصاب مفاصل التعليم كان منهم والزمان منه برئ فقد حرموه من اللقاحات التي تضخ في شرايينه وأوردته الأجسام المضادة للفشل مثل مجانيته  وفصوله  ومعامله المهيئة ومناهجه المنتقاة  وبخت رضاه البخيتة التي تجعل المنهج سمادا للعقول وبذرة للوعي، لكنهم تركوا كل ذلك وحقنوا أوردته بفيروسات الفشل وحولوا واحة المجانية إلى عتامير الجباية، والتعليم الخاص فأختل ميزان العدالة التعليمي  وغرق الأذكياء في جب التعليم العام المليئ بثعابين الخيبة، وتاهت المناهج في أضابير الفشل  ومتاهة الغرض والمرض، لتصبح العقول رخوة وضحلة، والجيوب متورمة منتفخة بأموال السحت بعد أن تحول التعليم إلى تجارة .

أناخ بعير الصحة رحاله مستسلما بعد أن كان يجري في مضامير العافية  وجرابه مليئ بالعقاقير والمحاليل  وسنامه يذخر بالمزيد والمستشفيات تغسل بالديتول وتفوح في ردهاتها روآئح الفايتامين. وجاء الغول، وداس على الأسرة و الفراش وجفف المشافي من العلاج وفي تبرج تزينت مشافي القطاع الخاص ليغض الفقير طرفه ويواصل الأنين، فلافتاتها تزينت بالنيون تستهزئ به، وتقول له بعيدا عنا يا مسكين، فشاهق البناء  والتجهيز  هذا لمنتفخ الأوداج الذي ينز الدهن من جسمه السمين، حتى أتانا من أحال المستشفيات إلى إرتكازات، و أهان جيشها الأبيض،  وملائكة الرحمة، وأسال دمائهم، وأحرق الأسرة البيضاء، وبعثر الدواء. 

 ونعيب بعد ذلك الزمان والعيب في نظام أباح ضرب الطبيب و الطبيبة  وزاد في رقاب الخلق كلفة  التطبيب ومزق في ميزانية الدولة مادة مجانية العلاج. 

وهكذا منذ أن رفع الأزهري علم الإستقلال في ساريته، وتلفحته حواء الطقطاقة ثوبا زاهي الألوان، تتغنى به للإستقلال الذي منذ رفع علمه وحتى الآن، ونحن نخرج من حفرة النخب السياسية الفاشلة، إلى دحديرة العسكر الجاثمة ظلما على الصدور، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت، لنقع في حفرة الدمار الشامل الذي كادت أن تضيع معه البلاد، لولا لطف الله. 

صدقت أخي الملك حين قلت : (( هذا زمان قد من دبر *** و الكل في ظلم الزمان خطيب )).

فعلا زماننا البرئ، زليخة الفساد تزينت له  و أستدرجته للخطيئة، وقالت له، هيت لك و لكنه إستعصم وهرب من إغوائها وعند الباب قميصه كان قد قد من دبر وكان ذلك إعلان براءة الزمان، ليعلن القاضي  والمحلفين أن العيب فينا، ولن يسجن الزمان. 

ولكن يا أمة الوطن،لنخرج من جب الفشل، ونبذر في بساتينه بذور الحرية، والعدالة، والسلام، لتسع أغصان دوحه، كل العصافير التي بحبه تجيد الغناء والتغريد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *