محمد المهدي

محمد المهدي

مستشار التحرير وكاتب صحفي

• في ظل الحرب الطاحنة التي تتعرض لها البلاد، وما خلفته من دمار وخراب، مما اضطر كثيراً من الأسر إلى النزوح من مدنهم وقراهم التي دخلها الجنجويد، وعملوا في أهلها تقتيلاً وتعذيباً، مع ممارسة أسوأ أنواع الانتهاكات في حق المواطنين، ثم نهب الممتلكات، والتدوين العشوائي للأحياء، الذي لم تسلم منه المستشفيات والأسواق والبيوت، وقد راح ضحيته أعداد كبيرة من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.

هذه التجربة المريرة التي عشناها وما زلنا حتى الآن تحت تأثير تداعياتها، والتي ستستمر فترة من الزمن، تتطلب منا وقفة جادة للاستفادة مما حدث، والتخطيط السليم للمستقبل.

إن الأوطان يحميها أبناؤها، فهم القادرون على تقديم الغالي والنفيس من أجلها، لكن إذا نظرنا إلى حالنا وحال أبنائنا لتملكتنا الدهشة مما يحدث.

هناك مشكلة كبرى في مجال التعليم، من حيث الخطط والمناهج، وربط التعليم بسوق العمل. هل يعقل أن تخرّج الجامعات الآلاف من الطلاب سنوياً في جميع التخصصات من الكليات النظرية والتطبيقية، ولكن من دون خطط من الجهات الرسمية لاستيعابهم في سوق العمل؟ فيلجأ بعضهم إلى وظائف بديلة دائمة أو مؤقتة، ويخطط الكثير من الخريجين، الذين سُدَّت في وجوههم الأبواب، لمغادرة هذا البلد الشاسع المساحة، العميم الخيرات، الذي لم يجدوا فيه سبلاً لكسب العيش.

إن كثيراً من القرى التي دخلتها مليشيا الدعم السريع، لم يكن بها إلا النساء والأطفال وكبار السن. فقد توزع الشباب بين المدن ودول الاغتراب، بل خاطر بعضهم بحياته مهاجراً إلى أوروبا، رغم ما يتعرضون له في تلك المحاولة المحفوفة بالمخاطر.

إن الواجب يحتّم علينا استخلاص العبر والدروس من هذه التجربة، وذلك بالالتفات إلى هؤلاء الخريجين، فهم قوة بشرية لا يستهان بها، فلا بدّ من التخطيط لاستيعابهم في سوق العمل على مستوى ولاياتهم ومدنهم. ويكون ذلك عبر  التنمية الشاملة لتلك المناطق بإيصال الكهرباء إليها، فقد أصبحت ضرورة لا غنى عنها. وهناك بدائل مثل الطاقة الشمسية، التي استفادت منها  دول عديدة. ومع توفير الطاقة، تحتاج البلاد إلى شبكة طرق حديثة، تساعد في نقل المنتجات إلى الأسواق ومناطق الاستهلاك. 

إن تهيئة البنية التحتية ضرورة لتنتظم البلاد طفرة تنموية، في وجود خطط استراتيجية للاستفادة من موارد البلاد، وإتاحة الفرصة للخريجين لقيام مشاريعهم الفردية والجماعية، وذلك عبر إنشاء محافظ متخصصة لتمويل هؤلاء الخريجين، وتوفير فرص لتدريبهم عبر ورش عمل، فيمكن أن تنشأ محفظة يشارك في تمويلها البنك الزراعي وبنك المزارع، وبنك الثروة الحيوانية ووزارة المالية، لتمويل مشاريع لخريجي الزراعة والبيطرة. 

وتنشأ محفظة مماثلة تمولها البنوك العاملة في المجالين الصناعي والعقاري، لتمويل مشاريع خريجي الكليات الهندسية والتقنية. 

وهناك تجربة مفيدة في المملكة العربية السعودية بمسمى (ريادة الأعمال)، يتم عبرها تدريب رواد الأعمال وتمويلهم، وتذليل العقبات التي تواجههم، وتقديم كامل الدعم والرعاية لهم، حتى يتحقق النجاح لمشاريعهم. وقد نجحت هذه التجربة، وصار عدد كبير منهم أصحاب شركات. وامتلك بعضهم علامات تجارية وأسماء أعمال تخطت مناطقهم وانتشرت، فصارت لها فروع في عدد من مدن المملكة. 

لا بدّ أن يعود  أبناؤنا للارتباط بهذه الأرض، ليعيشوا عليها، وينعموا بخيراتها، ويدافعوا عن ترابها ضد كل معتدٍ وطامعٍ، فلا أحد أحق من أبناء السودان بخيراته.

إن الشباب المتسلحين بالعلم والمعرفة، يمتلكون أدوات العصر، التي تمكنهم من التسويق في الخارج وفتح أسواق جديدة للمنتجات السودانية في دول العالم، فقد عايشنا بعض المحاولات الجادة لشباب طرقوا هذا الباب، وحققوا نجاحات باهرة، فقد نجح أحد الخريجين في تصنيع الحلوى من التبلدي (القنقليز) وتسويقها خارج السودان، وقد التقيته مصادفة وحدثني عن تجربته ونجاحها، وازدياد الطلب على منتجاته باستمرار. وقد شاهدنا نجاح تسويق عبوات زيت السمسم في الأسواق الأمريكية والإقبال على شرائه، وكذلك تجربة مجموعة من الشباب في تعبئة المنتجات الزراعية في عبوات غاية في الروعة والجمال لتصديرها إلى دول الخليج وغيرها.

كل تلك التجارب حققت النجاح، في ظل ظروف معقدة وأوضاع غير مستقرة، فإذا وجد هؤلاء الشباب البيئة الصالحة للعمل، فسيكون النجاح حليفهم، وسنراهم رجال أعمال ناجحين ومُصدِّرين لمنتجاتهم، بدلاً من اغترابهم للعمل في مهن هامشية، برواتب ضعيفة لا تحقق لهم عائداً مجزياً، ولا تمكنهم من تحقيق أحلامهم، فتمضي السنوات وهم يجرون وراء سرابٍ يحسبونه ماءً، حتى إذا رجعو إلى ديارهم وجدوا الحصيلة لا تساوي ما ضاع من أعمارهم،، ليت الدولة تلتفت إليهم  وتضع الخطط التي تفتح لهم آفاق المستقبل، وسيعم الخير هؤلاء الشباب وأسرهم والبلاد.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *