البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (5)

17
brof

الحلقة الخامسة

• (السلاح لا يصنع الشجعان) •

وقبل أن تكتمل عمليات الإجلاء لكل الأسر بالحي واجهتنا حادثة أخرى .. فبعد انجلاء حوادث اليوم الأسود التي جرت يوم السبت لم أنم ليلة السبت ولا الأحد .. و في عصر يوم الإثنين كان الجو غائماً منذراً بأمطار خواتيم شهر يوليو الغزيرة .. لذت بسريري على أجد بعض الراحة .. كانت الكهرباء مقطوعة إلا أن نسمة خفيفة باردة مرت على جبيني المتعرق  فطاف بي طائف من النعاس ونمت .. .. فجأة سمعت أصوات طلقات .. انقلبت على شقي الآخر معتزماً مواصلة النوم إذ أن أزيز الرصاص ودوي الدانات لم يعد يغض مضاجعنا .. وقبل أن اواصل نومي سمعت صراخ النساء والأطفال قادماً من بيت جاري الأستاذ الجامعي .. و جريت مسرعاً إلى الخارج .. 

وبخروجي من المنزل شهدت مشهداً تعجبت له إذ رأيت إثنين من شباب الحي يخرجان من منزل جاري حاملين الهراوات يطاردان أحد الغزاة و هو يفر أمامهم مرعوباً  حاملاً سلاحه .. لم يصدق عقلي ما رأت عيناي .. كيف لمسلح بسلاح ناري أن يفر أمام حاملي الهراوات مهما زاد عددهم ؟!! وكيف لم يفكر هذان الشابان في احتمال أن يطلق عليهما هذا الغازي النار ؟!!.. إن كان عقلي لم يقبل المشهد في البداية لكنه قبله في النهاية إذ بدا لي متسقاً مع كل أحداث الحرب التي دخلت علينا من باب اللامعقول .. وهنا أيقنت أن السلاح لا يصنع الشجعان ..

دخلت المنزل فوجدت الأستاذ مصاباً في عدة مواضع من جسده و أحد الجيران يجرى له الاسعافات الأولية بينما يقف غازي آخر تبدو عليه سيماء الضباط بجواره يحاول التهوين من أمر تلك الجراح فكان هذا أيضاً موقفاً محيراً ..سألت عن الحادث فعرفت أن الغازيين جاءا  يطلبان مفتاح عربة لا يملكه جاري و لا يملك السيارة .. فحاول الغازي الذي رأيته هارباً تهديده بإطلاق عيارات نارية على الأرض أمام جاري فتطايرت الشظايا لتستقر في جسده .. و لما رأي الدماء تسيل و الجيران يتوافدون ارتعب وفر هارباً تاركاً قائده وحده يحاول لم القضية .. تم إجلاء الجريح إلى المستشفى الوحيد الذي كان يعمل و هو المستشفى الذي يتبع للجيش .. كانت عملية الإجلاء صعبة ومحفوفة بالمخاطر لكنها في النهاية كللت بالنجاح ..

عند هذا المنحنى بدا للكثير من السكان أن الأمر قد بدأ يفوق حد الاحتمال .. البعض حزم أمره وقرر العودة إلى مسقط رأسه في أقاليم السودان البعيدة عن خطوط النار والكثيرون آثروا النزوح إلى أطراف أمدرمان الشمالية لبعدها عن الأحياء المشتعلة و ليكونوا قريبين من بيوتهم لتسهل عليهم العودة إن وضعت الحرب أوزارها .

تزايد عدد المغادرين بشكل ملحوظ لما تواترت أحداث نحكي عنها في حلقات قادمة

و..نواصل

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *