• عمره عامان الا شهران ، ما زال يلثغ بالكلمات ، فتخرج من بين شفتيه الصغيرتين مثل شقشقة العصافير في صباحات البلاد السمراء التي لم يرها بعد و ربما لن يراها قريبا إذا ما استمرت هذه الحرب اللعينة في الإشتعال و القضاء علي كل ما هو آخضر و جميل في حياتنا.
هذا الصغير ، حلو الطلة ، خفيف الظل و شخصي الكئيب ، المثقل بالهموم و الأحزان أصدقاء. أغيب عنه فيفتقدني ، يحضر إلى المنزل الكبير حيث أقيم مع خالته و أخواله ، أبناء خالتي ستنا بت التومة (أحن و ألطف و أكرم أخوة منحني لهم الزمان ) فيسأل عني و يقصد غرفتي ليعانقني فأعانق فيه طفولة (يحي و سلافة فيصل – ابنائي البعيدين ، القريبين ) و ( محمدو منة و حلا و عبد المنعم كمال الحكيم – أبناء شقيقتي كرملة ، الأحباء الغاليين ).
ضحكته موسيقى و خطواته الصغيرة المهرولة قصيدة ، تتبعها دقات قلبي و الذكري ناقوس يعلن قيامة الأشواق و هطول العسل في حقول المر التي تحيط بي من كل صوب.
بيننا حكايات طويلة و حوارات عميقة لا تنتهي و لنا أصدقاء مشتركين كثر، مثل القطط البنية و السوداء المتسكعة أمام المتجر القريب و في مدخل البناية التي نقطنها و أيضا الكلاب الصغيرة التي تقابلنا في الطريق في رفقة أصحابها و بالطبع العصافير و كثير من الحيوانات التي تتكلم و تغني و ترقص و تضحك في مسلسلات الكارتون.
صديقي ( خالد) يحب الأغاني السودانية الراقية ( خصوصا المهججة منها) و غالبا ما يميل إلى إختيارات والدته الجميلة ( سهى ) ووالده الشاب المثقف و المهذب ( حسن ) و هو لا يجامل أبدا في رفضه للأغاني الهابطة و الغير جميلة بهزة من الرأس أو إشارة من اليد بإنهاء هذا العبث الفني و هذا مما يطمئن على سلامة ذوقه و ذائقته الفنية في المستقبل.
يحيل صديقي (خالد) البيت – كل البيت – بمجرد حضوره إلى حديقة جميلة تفوح بالشذي و العطر و البهجة . حديقة خضراء تعلن أن في هذا البيت المشيد اصلآ بالحن و الحنان ، ملاك صغير يوزع البركات و الضحكات و الفرح.
بعد أشهر قليلة يكمل (خالد) عامه الثاني و يخطو مباركا بإذن الله إلي عامه الثالث محفوفا بالحب و صالح الدعوات و معه تدخل غربتي عامها الثالث . تشيخ الأماني ، ترتد طفلة تسبح في بحر من الهواجس و الظلمات.طفلة تقاوم الغرق يلقي لها صديقها الصغير و كثير من الأحباب ، في كل يوم طوق نجاة .