جمال الصديق الإمام

جمال الصديق الإمام

كاتب صحفي

• حالة من الصمت والترقب.
سكون الغرفة الموحش.
وبقايا قهوة على الأكواب.
رائحة الوحدة، وأنفاس الخيال.
تثاؤب متكاسل يتمدد في عمق صمت الجدران، وحالة اللامبالاة الفوضوية.
أعقاب سجائر وأعواد ثقاب.
أشتات من المشاعر المُلهمة،
وكثير من الأنين.

في ركن من اتساع الغرفة وفوضويّتها، اختار لنفسه مكاناً ينحسر عنه الضوء، ويحجب الرؤية عن الداخل، إلا من بعد اكتراث.
ركن أحبّ فيه ذكرياته وخيالاته وخيباته.
إنه ركنه والأشواق.
يتكور فيه بعد عناء يوم طويل.
يتحسسه بعد يوم عمل كئيب.
تتغير المعطيات،
والركن واحد،
والغرفة في فوضويّتها.
رائحة القهوة وأعقاب السجائر.
رفّ من الكتب القديمة، ومصحف
تطالعه العيون عند كل جمعة والذهن شارد، وسجادة صلاة.
وأشواق متجددة، وحنين جامح كمهر عربي أصيل، نحو وطن تلاطمت فيه أمواج الخراب.

غربة يتطاول مداها كلما انجرح الوطن، وليل حالك السواد تبدأ ملامح سدوله عقب كل تصريح عسكري أهوج، أو محاصصة حزبية مقيتة.
ركن يقتل النفس في اليوم ألف مرة، ويحييها عند كل سفر روحي تمازج بين الأنا وأشواقها آلاف المرات.
هو والأشواق يجمعهما الخيال الذي يتمدد في ساحة الركن، ومساحة الغرفة، وراء كل لحظة انكفاء تدثرت ببطانية العشم، والدموع تحجب وميض العيون عن رؤية ملامح الجدران.
والأشواق تتجاوز سفر الرؤية بين العين والبصر.

وللصبر أوقات وللجزع مثلها، حيث امتدت سنين الغربة بمقدار ضياع الوطن.
ركن الغرفة أطياف من ذكريات الطفولة، وملاعب الأنداد، وفرح بريء رسمته ريشة القرية بمداد المحبة على لوحة فطرة الطفولة.
وعند ذات الركن شريط من عنفوان الصبا، وفتوة أبناء الفريق، ولحظات إبداء الزينة للفوز بودّ فاطمة السمحة، وحوارات زهو الشباب.

رغم ضيق الركن، واتساع فوضى الغرفة، وتعتّق رائحة القهوة المتيبسة في قاع الأكواب، ووحشة الجدران، إلا أن الركن دائماً ما يزدان بسمة الذكريات، أو قل إن جنوح الخيال المتكور صاحبه عند الركن تجاوز كل هذه الفوضى إلى مكامن ما حملته ذاكرته من ذكريات عاش تفاصيل محطاتها طفولةً وصبا، شتاءً وخريفاً.

الغربة أحزان وأشجان، توسدت جسداً منهكاً، وعقلاً مشغول الدوائر، وأشواقاً لا يمكن الوصول إليها، والوطن دامٍ متقيح الجراح.
وركن الغرفة الفوضوي الملامح، المعتق الروائح، الذي تكور صاحبه أصبح ممتداً بقدر مأساة الوطن، يحمل أحزان وأشجان جليسه، ذكرياته، وخيالاته، وخيباته، وبعضاً من أسطوانات غنائية يحركها جليس الركن عند كل استرخاء موجع، ونشوة عشم، ليصدح منها صوت (الأستاذ):

“أنا والأشواق في بعدك بقينا أكتر من قرايب..
ما بنغيب عن بعض أبداً زي أعز اتنين حبايب”

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *