
علي النعيم محمد نور أبوهالة
كاتب صحفي
• ونحن في بواكير خدمتنا الشرطية كان من التقييم الإيجابي لأدائك المهني معرفة وملاحظة ما تستصحب من ملحقات شخصية للمهمات الخلوية طويلة الأمد، فكنت أحرص على ثلاثة أشياء تأتي اهميتها قبل السلاح الشخصي، وهي بطارية الإضاءة (تورش)، والراديو، والسكين. ودون الخوض في المسببات والتفاصيل، دعوني أدعوكم لجلسة أنس صباحي مع بزوق الخيوط البيض من فجر الصباح، وأنا أهم بتوصيل (سلك كهربائي) على مكان عالٍ، وأقرنه بهوائي الراديو حتى يسهل عليَّ التقاط الإشارة الصوتية من (إذاعة ودمدني). وأنت تحوم بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية للسودان ودول جواره، حيث لا أنيس ولا جليس ولا صديق إلا (إذاعة ودمدني) وشاي العساكر وصفارة التمام. ربما يعجب البعض عن تاريخ فكرة ومشروع وافتتاح تلفزيون الجزيرة الريفي، والذي سبق (شقيقته) الإذاعة؛ بحسبان أن الإذاعة أقل تكلفة وجهداً وإنفاذاً وتنفيذاً، ولكن هكذا شاء القدر أن تكون إذاعة ود مدني ميلاداً وجودياً في مارس 1986م، وكان قد سبقها افتتاح التلفزيون في العام 1972م.
لم تكن إذاعة مدني مجرد موجة تردد تقف عندها لسماع أخبار أو برامج، بل كانت عشقاً وهوية لكل إنسان ولاية الجزيرة بحجمها السابق (الإقليم الأوسط). كانت مذاقاً مختلفاً في برامجها، ونكهة متفردة في تنوع موضوعاتها. إذاعة شكلت وجدان كل السودان بخطها التسامحي، وأسلوبها الجمعي، ونهجها القومي، حيث تجد كل البرامج السياسية والدينية والفنية والثقافية والتعليمية والرياضية، بل صارت لساناً غير عربي لبرامج بلهجات محلية موجهة، كنوع من توسعة الخطاب التوعوي للمستمعين. يطل عليك صباح الإذاعة وكأنه يوزع صكوك السعادة على متابعيها، برامج غنائية وأخبارية، تبدأ بها يومك السعيد وأنت تمتع نفسك بدهشة الإلقاء والسرد واللمسات السحرية من (دسك) الاخراج. أسماء لامعة من المخرجين والمعدين والمقدمين والفنيين وكل الكوادر المساعدة، لإيصال الرسالة الصوتية عبر أثير إذاعة ودمدني. تمر الأيام وأتحول من مستمع ومعجب لواحد من ضباط تأمين الإذاعة و(التحية هنا لشرطة الاحتياطي مدني ضباطاً وضباط صف وجنود)، ثم تتحور تلك العلاقة حتى وصولي لمقاعد التقديم والاستضافة، حتى صرت واحداً من (استطاف) الإذاعة. الدمار الذي أحدثته الحرب على الإذاعة والتلفزيون في البنيات والأجهزة والمعدات والمكتبة، سبقه دمار نفسي وبيئي ومهني، بسبب سوء الإدارات التي تعاقبت على الإدارة. فالإذاعة فقدت بوصلتها الإدارية بعد ما تركها الأستاذ/ عبود سيف الدين (عليه رحمة الله) مهاجراً غضبان أسفاً نحو ولاية الخرطوم. خلفه رجل لا يقل عنه كفاءة ولا خبرة، ألا وهو الأستاذ/ عبيد ميرغني، ولكن تكالبت عليه الصراعات الإدارية. ومن ذلك الوقت وحتى الآن تعيش الهيئة (بلا رأس خيط)، والعشم في عودة أستاذ/ عبيد بكامل الصلاحيات دون وصاية من الولاية أو الوزارة. الآن الإذاعة في حاجة ماسة لإعادة إعمار، حتى تعود النغمة المحببة للنفس (هناااااا ودمدني). الأمر ناقشته بالصدفة مع الإعلامية المتميزة والصوت الشجي الأستاذة/هادية عبيد جودة، وهي الآن تعد العدة لأجل عمل تصور كامل لمشروع إعادة صوت (هنا مدني)، معتمدة فيه على محبي الإذاعة وأبناء ود مدني بالخارج، والمؤسسات والشركات، وكل من له القدرة على المساهمة (بدينار صادق) يسبق مليارات الوعود الكذوبة.
سأقود مع أختي أستاذة/ هادية عبيد، والجميل أستاذنا/ عبيد ميرغني حملة بلا هوادة حتى نعود كما كنا ونود. أتعشم في دعم الجميع بالرأي والمشورة والمعدات والمال..
والسني الذي وصلت بركاته كل مشروعاتها ونوايانا الطيبة.
دمتم أبو هالة.
شارك المقال