• شاعر كبير ملأ الدنيا وشغل الناس ،أَحَبّ البشر وكل المخلوقات التي تَدُبُّ على الأرض،لم تَمنَعْهُ سنوات الظُلْمة والسجن من الجَهر بالصوت عالياً ، معانقا أشواق المُتعبين والمضطهدين في العالم، وفي كل مكان تكون فيه الحرية مُهددَة والكرامة الإنسانية في خطر،في تلك الخطوط والجبهات الخَطِرة كان يقف «ناظم حكمت» بقلمه ومواقفه الشجاعة والصلبة التي لا تعرف اللّيْنَ أو التراجع ، يقول عنه صديقه الكاتب التركي «أورخان كمال» «حينما كان السُجناء يتداولُون قصائدَ «ناظم حكمت» خُفيَةً عن أعْيُنِ الرقباء والسجّانين، ويقرؤونها بلهفة..كانوا يُجهِشون بالبكاء..وأنا أيضاً فعلتُ ذلك في الكثير من المرات في الأقبية الباردة وراء القضبان.
كان» ناظم حكمت» صوت من لا صوتَ لهم..كان يتألّم لسقوط إنسان في «كالكُوتا» في الهند ويَحزَن حُزنا شديداً لموت عامل بسيط في تركيا أو اسبانيا وكل بقاع العالم،هذا الإنسان الشاعر والمناضل الكبير، كان منذورًا لحُب الآخرين ومُقاسًمة آلامهم وأفراحهم الصغيرة أيضاً….
ذاق مرارة المنفَى وعَرَفَ معنى الشقاء البشري والفرح الإنساني ، وكان يقول لرفقائه « إنِّي أحِسُّ بآلامكم وأوجاعِكم جميعا ،كما تُحِسُون بها تماما،»..ولذلك أحبَّه الجميع ،في قصيدة «الثلج يتساقط في الظلام»..
يحكي عن جندي بسيط يحرِس ببندقيته بوابات مدريد في لَيْلِ اسبانيا الدامي المُثخَن بالاغتيالات والقتل الوحشي…يحكى عن هموم هذا «الرجل الصغير» الذي يحرِسُ في الليل ويدَاهُ ترتعشان من الصقيع و البرد..فيما لَفائِفُ الثلج تتساقط بهدوءٍ على رأسه وبدلتِه العسكرية،مُتسائِلاً ،عن هُويّته وعقيدته، وأحلامه الصغيرة ،يقول «ناظم حكمت»
الثلج يتساقط في الظلام
وأنتَ واقف على أبواب مدريد..
وأمامنا أجملُ أشيائنا:
الأمل، والحنين والحرية..
وجيش يقتل الأطفال..
الثلج يتساقط في الظلام
ورُبَّماَ تتجمّدُ قدماك المُبتلَّتَان هذا المساء
الثلج يتساقط في الظلام
وأنا أفكرُ فيكَ هذه اللحظة
قد تخترِقُك رصاصة
وعندئذ لا يبقى ثلج…
ولا ريح…ولا ليل….
الثلج يتساقط في الظلام
وأنتً الذي تصيحُ « لن تمُروا»
فَمَن أنتَ؟ من أين جئتَ؟ماذا كُنتَ تعمل؟
بِمثل هذه النزعة الانسيابية والأسلوب الشفيف المُفعَم بالنزعة الإنسانية تتهَادى كلمات «ناظم حكمت»..كالزورق الصغير وهو يمْخُر عُبابَ البحر،غير آبِهٍ بالعواصف والأنواء.في اتجاه ضِفة قد تحدّدت معالمها سَلفا،من طرف رُبّان ماهر يُتقن سرّ «المهنة»،.برحيل هذا الشاعر الكبير ،قد خسرت الانسانية شاعراً وقلباً كبيراً يَضخُّ بأناشيد الحياة و الحب والحرية.