معتصم تاج السر

م. معتصم تاج السر

كاتب صحفي

• في حضرة المحبة النبوية لا يعرف القلب إلا البهجة ولا تعرف الروح إلا الانشراح.

حين يطل علينا ربيع الأول من كل عام نفتح نوافذ القلوب لتستقبل أنسام مولد الأفراح مولد سيد الخلق ورسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه.

هو مولد النور الذي بدّد عتمة الدنيا وأحيا فيها معنى الرحمة وغرس في الأرواح نسمات الصفاء.

هو الفجر الذي أزهر في ليلٍ طويل والندى الذي غسل قلوب العاشقين بالسكينة.

هو الذي علّم البشرية أن الحُبّ سبيل النجاة وأن درب الهداية معطّر بمودته وأن في الاقتداء به سلاماً يُعيد للروح بهاءها وللأرض جمالها.

ميلاده وعدٌ أبدي بأن الخير أقوى من الظلام وأن الرحمة أوسع من القسوة وأن العاشق الصادق لا يضل ما دام قلبه معلقاً بهديه.

كما قال الشاعر أحمد شوقي في مدحه صلى الله عليه وسلم:

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ

وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

الرُّوحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ

لِلدّينِ وَالدُّنيا بِهِ بُشَراءُ

يا بشرانا به .. يا بشرانا…!!

في السودان هذا الوطن المجبول على الطيب والحنين تجد للمولد النبوي طعماً خاصاً لا يشبهه أي طعم.

السودانيون بقلوبهم الكبيرة وأفئدتهم العامرة بالمحبة والإيمان لا يزالون يزينون لياليهم بمديح الحبيب صلى الله عليه وسلم وبقصائد العشق الصوفي التي تتماوج كالنيل ويرددون «مدد يا رسول الله إنا مغرمون».

من أم درمان إلى بحري ومن سنار إلى دنقلا ومن الشرق حتى الغرب تظل المآذن تردد الصلاة والسلام عليه وتبقى الشموع تضئ وإن أثقلتها دموع الحرب ورمادها.

المولد عند السودانيين ليس مجرد احتفال بل هو حالة عشق إنه لقاء روحي يلتقي فيه القلب بالسماء.

هو مهرجان للصفاء حيث يجتمع الناس على حُبّ المصطفى فيوزعون المحبة كما يوزعون الأمل ويضيئون القناديل كما يضيئون دروب الصبر ويتلون المديح كما لو أنهم يسقون أرواحهم من نهر لا ينضب.

ورغم الحرب القاسية رغم الفقد والشتات والأنين لم ينطفئ «المولد « بل يزداد إشراقاً في عيون المكلومين فقلوبهم تهمس لهم إنهم أحباب سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم: فأصبروا… فهو رحمة للعالمين وبشرى للصابرين.

وكأن السودانيون في هذا اليوم يقولون للعالم: قد تسلبنا الحرب الأمان لكنها لا تستطيع أن تسلبنا محبته صلى الله عليه وسلم..!

قد تحاول أن تطفئ شموعنا لكنها لا تطفئ نور نبينا في قلوبنا.

يا رسول الله… 

يا قمراً أضاء قلوبنا بنوره ويا عطراً سرى في أرواحنا فطيبها نحن نحبك حباً لا يذبل، حباً يزداد كلما اشتدت بنا الخطوب وضاقت بنا السبل.

يا حبيب الله… 

ما ذكرناك إلا وانفرجت همومنا وما صلينا عليك إلا وأزهرت أرواحنا فأنت حياة القلب وضياء الدرب.

نشتاق إليك شوق الظمآن إلى الماء وشوق العاشق إلى لقاء حبيبه. 

أنت لقلوبنا وطن ولأرواحنا أمان ولأحلامنا رجاء لا ينقطع.

نسأل الله أن تكون ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم هي لحظات للتدبر في هديه وطريقه صلوات ربي وسلامه عليه.

وأن نكون من أتباعه الصادقين قولاً وفعلاً نهتدي بنوره ونسير على دربه ونحيا بما جاء به من رحمة ومحبة حتى نلقاه يوم القيامة راضين مرضيين.

يا لها من مفارقة جميلة…!

في الوقت الذي يسعى فيه الألم ليغطي أرضنا…!

تنبثق من بين الجراح اهازيج المولد وتعلو أصوات المدائح ليبقى السودان وفياً لمحبته الأولى لمحبته الأبدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

مولد الأفراح هو وعد متجدد أن هذه الأمة لا تموت وأن صوت الصلاة على الحبيب سيظل أعذب من دوي المدافع وأبقى من صمت المقابر.

ففي ذكرى ميلاده تتجدد الحياة ويعود للأرواح بهاؤها ويزهر في القلب أمل أخضر أن الغد سيكون أجمل لأن سيدنا محمداً هو قدوتنا والحُبّ هو سبيلنا.

اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه صلاةً تعطر القلوب وتحيي الأمل وتجمعنا على دربه حتى نلقاه على حوضه الشريف فيسقينا شربة لا ظمأ بعدها أبداً.

اللهم أرزقنا حُبه وحُبّ من أحبه إلا يوم نلقاه لا مبدلين ولا متبدلين..آمين.

كل عام وأنتم بألف خير.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *