من طرائف ومساجلات الشعر السوداني.. من «القيامة» إلى «الحسادة»: حرب قصائد بين عملاقي الشعر

53
شادول

(مساجلة أخوانية طريفة بين الشاعرين الكبيرين : الراحل حسن الزبير، والدكتور أحمد فرح شادول)

• «انشا الله القيامة تقوم» هي احدى المساجلات الشعرية القوية جداً، والمهمة في تاريخ الشعر السوداني المعاصر، وقد لاقت نجاحًا منقطع النظير من مختلف الفئات، وحققت انتشارًا واسع المدى في كل الاصعدة، واختلف الكثيرون حول مضامينها البسيطة الرمزية. فهناك من ألبسها الصبغة الخصوصية، ومنهم من وصفها بالسياسية، وهناك من راى فيها التصوف، وعمل الشاعران بالقولة الشهيرة ”يغني المغني وكلٍّ على هواه“، وصمتا عن الإفصاح عن كنهها. وقد استفز السجال الكثير من المحاربين فأدلوا بدلوهم. ويذكر البعض «مهرجان العنادل» بالدامر عام 1991، حيث قدمت المساجلة للجمهور انها أثارت لغطًا شديدًا. وقد تطوع بالرد عليهما ما يربو على الخمسة عشر شاعر من المنطقة وما جاورها. ولا يسع المجال هنا لاستعراض كل النصوص الا اننا اخترنا نصًا خاصًا له قصة طريفة سنطلعكم عليها. وهذا النص خاص 

بالشاعر المرحوم ”بركة أبوجبران“ وهو أحد شعراء الحقيبة الافذاذ من منطقة بربر. ورغم ان الشاعر حسن الزبير (رحمه الله) كان يروي دائما انها حدثت لأحد أصدقائه، إلا أن صديقه د.شادول يشكك في ذلك ويقول أنها حدثت له شخصيًا فلنقرأ:

القيامة (1) 

حسن الزبير :

« *إن شاء الله 

القيامة تقوم

عشان ريدك معاي ما بدوم

ناس سهرانة طوالي

وناس طول الليالي تنوم 

أشوف أنا كيف حسابك يطول

علي الوعد الدوام ممطول

وأنا الشايف كتير احباب

يعيشوا الريدة عرض وطول

أنا الشايل دوام همك 

بريدك ريدة زي أمك

وأغير من غيرتي ذاتها عليك

وأخاف أنا يا الخفيف دمك

إن شاء الله القيامة تقوم

وكل زول يمشي في حاله

عشان ما قلبي يرجع يقول

حبيب الدنيا في باله

إن شاء الله القيامة تقوم» 

الحسادة تطير

احمد فرح شادول

إن شا الله

الحسادة تطير

وأيام السعادة تدوم

والضاق العذاب في الريد

بكرة يعيش ويشبع نوم

وتقول القيامة تقوم؟!

 عشان حظك شقي ومشئوم

وفتحن ليك بنات حوا

وجافاك ليلة واحدة النوم

بتدور القيامة تقوم؟!»

أنحن ولا عرفنا الريد

ولا زيك عشقنا الغيد

وحبينا القريب وبعيد

وراجعنا القديم وجديد

ولا ضمانا حضن الليل

مع الوجه البهي وغريد

ولا لليل شكينا حبيب

اذا حتي العشقنا عنيد

ولا نظمنا في الحلوات

غنا وموال درر وقصيد

ولا لينا «أبنعوف»غنٌ :

لا الصابر .. ولا الباكي ..

خيالك عندي يوماتي

صباح خيري ومسا أفراحي

أعد ميعاده باللحظات

وسهري معاه .. صباحي

عيونك فوق عيوني تنوم

وفوق آلامي ترتاحي

وريدك من عواتي الريح

ألمو واضم عليه جناحي

وتقول القيامة تقوم!!

أنحن مع السعادة نسير

مواكب فرحة هادرة هدير

نحيا، نحب، نعيش، ونغير

ونعلن ثورة التغيير 

ناكل حب

ونشرب حب

ونلبس حب

نَسَو جنحين

محبة نطير

نعيش الريدة 

عرض وطول

كبيرنا ملك

صغيرنا أمير

وتسمع صوت هتافنا يجيك:

«إن شا الله 

الحسادة تطير

وتكبر وتنسي يا زغبير» 

القيامة (2)

حسن الزبير :

«إن شا الله

القيامة تقوم

وعشمي في الله ما شوية

ادخل جنة المأوى

وهناك يدوني حورية

وأتكي في الآرائك أنوم

بكل حبور وحرية

وأرتاح من دا مافي وقوم

وأمش جيب لي وجيب ليٌ ..

وأفارق دنية المعدوم

وألقي مطالبي بالنية

ولو حنيت للحم الطير

تجيني الطيرة مشوية

عشانك كيَّة يادكتور

تكون حوريتي خمرية

يجرجر ديسا دا المردوم

لهجتها خالصة عربية 

وأخلي ليك بنات حوا

تحاحي صباح وعصرية

وتبقي عواطلي يادكتور

هناك لا مرض ولا شكية

لا سياسة ووجع حلقوم

هناك لا قروش وماهية

هناك ولا أذن سمعت

ولا بعيونا مرئية

هناك حتي الرحيق مختوم

وولدان طايفة دورية

ولا عشوائي في الخرطوم

ولا صفقات تجارية

صفي النية يامهجوم

بلاش هجمات هبوبية

وان شا الله القيامة تقوم

وتنجح مية في المية»

الحسادة 2

احمد فرح شادول :

«ما مقبولة أعذارك

وما معروف مصيرك وين .. وما هي؟

صالح أعمالك 

عشان يدوك حوراً عين!! 

لوأنت 

علي الصراط ماشي

وشركوا ليك بي بنية

حتختل كل حساباتك

وتحتل حتلة أبدية

أما لو ضرب حظك

وجابوا ليك بنات الحور

تموت واقف علي طولك

ويشيلك حيلك المشلول

وتتلفت شمال ويمين

مشدوه بالجمال مبهور

تحتار – باقي عقلك طار –

فيمن يهوي أو يختار

ديك قوامها سمهر وطول

ديك دعج العيون مكحول

وديك جمالها يسبي عقول

وديك من فيها حلو القول

وديك خليها لي «شادول»

وديك شَعراً كمان خليه

قدُر ما يزيد نعومة وطول

عذابنا وليلنا فيهو يطول

وديك خشيمها

بينقط كلام معسول

تقيف مشدوه

وتفوت القيامة عليك

واقف انت تتلفت

غريب مذهول»

حسن الزبير :

«دنياك لي زي ديل

وديل ياصاحبي هن دنياك

يكابرنك ويكبرنك

يودنك ويجيبنك

يشيلنك ويختنك

يجلبنك ويبيعنك

يغسلنك ويشرنك

يكتلنك ويدفننك

يقيدوا النار يشدنك

ويبرن عودك المسلوب يحرقنك

تفوح إنت ويزيد دنك

وتغني الدنيا بي فنك

حال الدنيا ما بتدوم

مرة تلام، ومرة تلوم

ويوم تتعب

مرة تحب وتشبع حب

مرة تحب وما تنحب

في اجمل من تحب وتحُب ؟!»

حسن الزبير :

«خليهم السمعوك

وأرجع لي حلو كلامك

معقول القيامة تقوم

قبل ما تلقي أحلامك؟!

اما قصة القصيدة التالية مع الشاعر بركة ابوجبران فتتلخص في ان السيد/ سيد عبدالله شبرين، وهو من بربر زار د. شادول ليلا وأخطره بأنه يريده لأمرٍ هام هو والاستاذ حسن الزبير بمنزله الذي يجاور منزل د.شادول. وذهبا سويا وأحضرا حسن الزبير. وكانت المفاجأة ان وجدا بمنزل شبرين الشاعر «بركة ابوجبران» وقد سعدا جدا بلقائه، وخاصة حسن الزبير الذي كان يحفظ الكثير من سيرة واشعار بركة، بينما كانت المرة الاولى لدكتور شادول التي يلتقي فيها

ويستمع للشاعر بركة ابو جبران. اما شاعرنا بركة ابوجبران فقد كان شيخًا في السادسة والتسعين من عمره قدم للخرطوم للعلاج، ولما علم بوجود حسن الزبير ود. شادول بالجوار طلب لقاءهما. وقد كانت ليلة ممتعة اجتر فيها الشيخ الذكريات وانشد الكثير من شعره، وقد شجعه على ذلك حسن الزبير والمامه بالكثيرمن قصائده واستمرت الليلة لما بعد منتصف الليل. وأخيراً طلب الشيخ مساجلة القيامة، واستجاب الشاعران لطلبه وشكرهما، ووعد بمجاراتهما رغم تقدم السن والمرض، وأيقن حسن الزبير أن شيخه سينصره وقال له : سنعاودك الصبح بإذن الله وكانت فاجعة صبيحة اليوم التالي لما استمعا لقصيدة الشيخ بركة ابوجبران التالية : 

الحسادة 3

بركة ابو جبران :

«يا الداير القيامة تقوم .. 

لعلك ليها قدمت

من الأعمال جميل عملك 

فهل حجيت وأحرمتَ؟!

وهل شيدت بيت يأويك 

وما كَسَّرْ وهَدَّمْتَ

وهل سبحت للرحمن 

طوال الليل وأدمعتَ

وهل صليت من الركعات 

خشوعًا ما رقَدْ نمتَ

وهل فكرت في الجائع 

كما يألم تألمتَ؟

وهل قمت وفقدت الجار 

عرفت البيهو صبَّحتَ

لعلك مرة ياأستاذ 

زِعِل من زول تألمتَ

حبيت القيامة تقوم 

ولا ناس كانوا لا كنت

أظن السكر الغالي .. 

خلاك ديمة في محنة

وماك قادر تقول الحق 

وما قادر تصارحنا

أكان زهجان من الدنيا 

بشعرك لا تطارحنا

أخدلك صبغة من دكان 

وموت لك موتة ريحنا

بنحفر ليك سبعة امتار 

عشان ما تعود تصابحنا

ندفنك دفنة ممتازة

ونرجع لي مصالحنا !!!!! 

،

ويقال ان الاستاذ حسن الزبير قد فجع جدًا في عدم مساندة شيخه له وقال قولته الشهيرة :(مصالح شنو العندو الراجل ده بعد الستة وتسعين سنة؟؟؟).

وقد توفى الشيخ بركة عن عمر يناهز المائة عام. رحم الله كليهما وأسكنهما جنة المأوى!!!

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *