ممثل ورئيس لجنة ضحايا «شركة بلاك شيلد الإماراتية» الأستاذ بدر الدين النفيدي:

86
حوار

تحويل حراس أمن إلى مرتزقة هو أبشع أشكال العمل القسري

Picture of حوار: طارق عبدالله علي

حوار: طارق عبدالله علي

• ​نرحب بكم متابعينا في صحيفة «فويس» الكرام في حوار خاص ومهم، يسلّط الضوء على قضية شغلت الرأي العام السوداني سنوات، وهي قضية ضحايا «شركة بلاك شيلد» الإماراتية. القصة بدأت كوعود عمل في دولة الإمارات حراس أمن، لتتحول فجأة إلى نقل قسري لشباب سودانيين عبر معسكري الشيخ زايد وغياثي إلي ليبيا، في ظل ظروف ومهمات عسكرية تتعارض تماماً مع عقودهم الأصلية. قضية وصفها المستشار القانوني عبدالشكور حسن أحمد  بأنها «عمل قسري وسخرة»، وتصنف ضمن «أنشطة تجارة في البشر». 

– اليوم، وبعد مرور سنوات على الواقعة، وفي ظل سير الدعوى الجنائية في المحاكم السودانية، يسعدنا أن نستضيف الأستاذ بدر الدين النفيدي، وهو رئيس لجنة ضحايا شركة بلاك شيلد، وأحد الشباب الذين عاشوا هذه التجربة الأليمة.

– ​أهلاً بك أستاذ النفيدي، وشكراً لتلبية دعوتنا. نُريد أن نفتح معك هذا الملف من جديد، ونتابع تطوراته. 

• بصفتك أحد الشباب الذين وقعوا ضحية لهذه العقود، متى وكيف وصلكم الإعلان عن هذه الوظائف تحديداً؟ وما الوعود التي قدمت لكم تحديداً عن طبيعة العمل والراتب ومكان التوظيف في الإمارات؟

– بصفتي أحد الشباب الذين وقعوا ضحية لهذه العقود، يسعدني أن أقدم شهادتي.

وصل الإعلان عن هذه الوظائف بالتواتر في البداية عبر أشخاص وزملاء وبعض المجموعات العامة، ومن ثم أُعلن عنه لاحقاً في الصحف الرسمية. الوعود التي قُدمت كانت راتباً شهرياً قدره 500 دولار أمريكي (ما يعادل 1800 درهم إماراتي)، وتأميناً طبياً، وإجازة سنوية لمدة شهر نهاية كل سنة. أما طبيعة العمل فكانت حراسة المنشآت المدنية الخاصة مثل الفنادق والشقق السكنية والمحلات التجارية، ومكان التوظيف هو داخل إمارة أبوظبي.

• متى شعرتم لأول مرة بأن الأمور ليست كما تم الاتفاق عليها؟ وما هي اللحظة الفاصلة التي اكتشفتم فيها أن وجهتكم النهائية هي ليبيا وليست أبو ظبي؟

​- شعرنا لأول مرة بأن الأمور ليست كما تم الاتفاق عليها عند دخولنا معسكرات تابعة للقوات المسلحة الإماراتية في منطقة غياثي، التي تبعد نحو 6 ساعات تقريباً عن مدينة أبوظبي، علماً بأن التدريب للحراسات الأمنية للشركات الخاصة يتم عن طريق معهد العلوم الأمنية التابع لوزارة الداخلية في دبي وليس معسكرات الجيش. أما اللحظة الفاصلة، فلم نكتشف وجهتنا النهائية إلا بعد دخولنا قاعدة الخادم شرق ليبيا. الالتزامات كانت بخصوص مكان العمل داخل إمارة أبوظبي، وعندما سألنا اللواء مسعود المزروعي شفهياً عن مكان العمل، أجاب بـ «نعم داخل دولة الإمارات». ثم فوجئنا لاحقاً بأننا ضمن الكتيبة 306 صاعقة التابعة للواء خليفة حفتر بمنطقة رأس لانوف النفطية، وذلك بدون علمنا.

• ذكر المحامي أنكم «جرى تدريبكم على الأسلحة الثقيلة»، صف لنا ظروف وصولكم إلى أبوظبي وآخرون منكم إلى ليبيا وطبيعة «العمل» الذي طلب منكم هناك، وكيف تعارض هذا مع عقودكم الأصلية كحراس أمن؟

​- نعم، تم تدريبنا على الأسلحة الثقيلة والخفيفة مثل الكلاشنكوف، والرشاش الميني، والآر بي جي، والهاون، والقنابل اليدوية، وكيفية الحماية من خطر أجهزة الدفاع الكيميائي وحفر الخنادق والملاجئ. وصلنا إلى أبوظبي في مجموعات، وكل مجموعة كانت عبارة عن فصيلة (33 فرداً) بمعدل رحلتين أسبوعياً، حتى اكتمل العدد ليصبح 611 شخصاً عبر معسكري غياثي والشيخ زايد. ثم نُقل 276 فرداً إلى ليبيا بدون علمنا بعد إكمال التدريب العسكري والرمي بالنار على مرتين. العمل الذي طُلب منا داخل ليبيا هو تمشيط منطقة الهلال النفطي عبر الأسلحة الثقيلة وتأمين المنطقة. هذا العمل تعارض جذرياً، حيث تحولنا من حراس أمن مدنيين داخل أبوظبي حسب شروط العقد، إلى مرتزقة داخل ليبيا المنكوبة بالصراعات.

• كيف استطعتم أنتم الشباب الـ 611 تنظيم صفوفكم لرفض هذا العمل، وما أشكال الضغوط التي مورست عليكم بعد رفضكم العمل في حقول النفط الليبية؟

​- رتبنا صفوفنا فور اكتشافنا أننا داخل ليبيا وضحية لخدعة الشركة. قمنا بالاتصال بالشباب الموجودين في السودان لتنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارة الإماراتية ووزارة الخارجية السودانية، وتواصلنا مع بعض القنوات الفضائية. أما أشكال الضغوط التي مورست علينا داخل الأراضي الليبية بعد رفضنا العمل مرتزقة، فكانت تتمثل في تهديد أحد ضباط الكتيبة 302 صاعقة التابعة لحفتر بـإسقاطنا داخل الصحراء أو البحر الأبيض المتوسط.

• ذكرت اللجنة أن الدعوى تسير بشكل جيد. ما آخر التطورات القانونية الملموسة في القضية حالياً؟ وهل تم تحديد جلسات محكمة قريبة؟

​- نعم الحمد لله الدعوى تسير بشكل جيد بعد استعادة الملف، وهناك ترتيبات وتواصل لإقامة الدعوى من داخل دول الاتحاد الأوروبي. لم يتم تحديد جلسات محكمة إلا بعد القبض على جميع المتهمين والمتورطين في القضية ومن ثم تقديمهم لمحاكمة عادلة تنصف الضحايا جميعاً.

• عُلِم أنه تم القبض على متورطين ثم الإفراج عنهم، ثم أعيد القبض عليهم مؤخراً.. من هم هؤلاء المتورطون تحديداً.. وهل هم أفراد سودانيون أم لهم علاقة بالشركة نفسها؟

​- نعم، المتورطون هم سودانيون وإماراتيون وليبيون. منهم من له ارتباط وثيق بالشركة ومنهم وكلاء عنها. تم القبض على صاحب وكالة أماندا وصاحبة مكتب الاستخدام الخارجي مكتب الأميرة، واللواء معاش طارق عمر أحمد. تم الإفراج عنهم بالضمانة المالية ثم أُعيدوا إلى السجن. وكانت هناك إصدارات لـمذكرات اعتقال من قبل الإنتربول الدولي، وحجز الطيران الناقل، وأوامر قبض لمتهمين هاربين، لكن الإجراءات لم تكتمل بسبب اندلاع الحرب اللعينة في السودان.

​• يصف المحامي القضية بأنها «تجارة بالبشر وعمل قسري». ما أهمية هذا التكييف القانوني بالنسبة لكم كضحايا؟ وما هو نوع العقوبات التي تأملون أن تصدر بحق المتورطين؟

​- نعم، هي عملية اتجار بالبشر كاملة الدسم وفق قانون مكافحة الاتجار بالبشر، الذي يحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو خداعه أو استغلاله للعمل أو الخدمة قسراً. أهمية هذا التكييف تكمن في أنه يعترف بنا كـضحايا لعمل قسري. نأمل في إصدار أشد العقوبات على المتورطين ليكونوا عظة وعبرة لغيرهم، وتعويض الضحايا تعويضاً مجزياً عن الضرر النفسي والمعنوي.

• ما هو الدور المطلوب الذي ترجونه من النائب العام ومجلس السيادة الانتقالي تحديداً لدعم هذه القضية؟

​- المطلوب من النائب العام هو الاهتمام بملف الضحايا، وتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الدعوى والإسراع في الإجراءات القانونية التي عطلها المجرم حميدتي لصالح الإمارات. أما المطلوب من مجلس السيادة الانتقالي فهو الدعم المادي والإعلامي والدبلوماسي، وتسهيل الإجراءات عبر السفارات والقنصليات في الدول التي ستقام فيها الدعوى في الخارج.

• تحدث بيانكم عن إلحاق ضرر نفسي وبدني بـ 611 شاباً. ما الأضرار النفسية المستمرة التي يعاني منها الشباب حتى اليوم نتيجة لهذه التجربة؟ وما  المطلوب تعويضاً للضحايا يتجاوز مجرد إدانة المتورطين؟

​- هناك ضرر نفسي وبدني نتيجة للتدريب القسري والاحتجاز داخل المعسكر لمدة 4 أشهر و15 يوماً. يعاني الشباب حتى اليوم من البطالة بسبب فقدان وظائفهم. ومن الأضرار النفسية المستمرة، الصدمة من عنصر المفاجأة والتحول من الحلم بمستقبل جيد إلى مستقبل مجهول نتيجة تعرضهم للخديعة. التعويض المطلوب يتجاوز الإدانة وهو تعويض مادي مجزٍ، نتيجة الجرم والمتاجرة بهم كمرتزقة في أتون الحرب الليبية.

• أشار المحامي في إحدى إطلالاته إلى أن السلطات الإماراتية كان لديها علم بمكان احتجازكم… ما الرسالة التي تودون إيصالها للجهات الرسمية في الإمارات حول مسؤوليتها عن ترخيص هذه الشركة أو الوكالات التي عملت باسمها؟

​- السلطات الإماراتية لديها علم اليقين، لأنها هي الجهة المسؤولة عن إصدار التأشيرات وترخيص عمل الشركات، والدولة هي المسؤولة عن المعسكرات والقواعد التي تم ترحيلنا عن طريقها. الرسالة التي نود إيصالها هي أننا نأمل من دولة الإمارات محاسبة الشركة ومنسوبيها ووكلائها في الداخل والخارج، وتعويض الضحايا جبراً للضرر الذي لحق بهم.

• ما الكلمة التي توجهها اليوم للرأي العام وللشباب السوداني الذين قد يكونون عرضة لوعود عمل مماثلة غير واضحة؟ وما رسالتكم النهائية للسلطة القضائية في السودان؟

​- أتوجه لجميع أصحاب الأقلام الحرة والمنصات الرسمية بالاهتمام بقضايا الشباب، ووقف الزج بهم في أتون الحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والاهتمام بقضية ضحايا شركة بلاك شيلد الإماراتية بصفة خاصة. وأنصح الشباب السوداني بعدم الوقوع في العقود الوهمية، والابتعاد عن أصحاب الأغراض الضعيفة من الوكالات، وضرورة التأكد التام من العقودات الخارجية عبر مكتب العمل والسفارات. أما رسالتنا للسلطة القضائية في السودان فهي الاهتمام بقضية شركة بلاك شيلد الإماراتية، وإنصاف الضحايا، ومحاسبة المتورطين. وكلنا ثقة في نزاهة القضاء السوداني.

​وفي الختام لكم التحية والتقدير.

 

شارك الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *