«مطرقة منتصف الليل»: القصة الكاملة للهجوم الأميركي على إيران

21
ترمب ونائبه

أشهر من التخطيط تكشف كيف تلاعبت واشنطن بطهران قبل ضرب الجواهر الثلاث لبرنامجها النووي

    

تفاصيل “مطرقة منتصف الليل”

أكد قائد الجيش الأميركي دان كين أن أكثر من 125 طائرة عسكرية أميركية شاركت في العملية التي أطلق عليها اسم “مطرقة منتصف الليل”، واستخدم خلالها ما يقارب 75 سلاحاً موجهاً بدقة، مشيراً إلى أن واشنطن استخدمت أساليب خداع عدة مع إيران أثناء التحرك لضرب المنشآت النووية.

وتأتي الهجمات بعد أشهر من محادثات غير مباشرة بين البلدين، أبدت واشنطن خلالها استعدادها للتفاوض المباشر، لكن الضربات الأخيرة والتخطيط لها طوال أشهر وفق “البنتاغون” يؤكدان التكهنات بأن إدارة ترمب أرادت مباغتة إيران وضرب برنامجها النووي على حين غرة.

والثلاثاء الماضي اطلع ترمب على خطة “مطرقة منتصف الليل” وأعطى موافقته الأولية عليها خلال الاجتماع الذي عقده في غرفة العمليات بعد عودته المبكرة من المشاركة في قمة “مجموعة السبع”.

وحتى أول من أمس الجمعة، كانت إدارة ترمب تشدد على الخيار الدبلوماسي، لكن بعد ظهر أمس السبت، وبينما كان في ناديه للغولف في نيو جيرسي، أعطى ترمب الموافقة النهائية على تنفيذ الضربة.

حلّقت ليلاً القاذفات الشبحية “بي- 2” من دون توقف لمدة 37 ساعة من قاعدة وايتمان في ولاية ميزوري، وتزودت بالوقود مرات عدة في الجو، بينما تحمل القنابل غير النووية الأقوى في الترسانة الأميركية. وأفادت “نيويورك تايمز” بأن القاذفات رُصدت لاحقاً إلى جانب طائرات تزود بالوقود فوق جزيرة غوام في المحيط الهادئ.

AFP__20250622__2220718115__v1__MidRes__DodSecretaryHegsethAndChairmanOfTheJointChief.jpg

خريطة الاستهدافات العسكرية في موجز صحافي من البنتاغون ( أ ف ب)

وفجر اليوم الأحد، اخترقت القاذفات الشبحية المجال الجوي الإيراني وألقت ما لا يقل عن ستّ من القنابل الخارقة المعروفة باسم “جي بي يو- 57 أي\بي على منشأة فوردو الأكثر تحصينا. وبالتوازي أطلقت الغواصات الهجومية صواريخ “توماهوك” على مواقع في أصفهان ونطنز.

وأوضح قائد الجيش الأميركي أنه جرى إسقاط ما مجموعه 14 صاروخاً خارقاً على أهداف إيرانية نحو الساعة 2:10 صباحاً بالتوقيت المحلي في إيران، مشيراً إلى أن هذه أكبر ضربة عملياتية بطائرة ’بي-2‘ في تاريخ أميركا”.

برأس حربي حاد ووزن 13 طناً، صممت شركة “بوينغ” القنبلة الخارقة للتحصينات لاستهداف البنى التحتية المدفونة تحت الأرض مثل منشأة فوردو المبنية داخل جبل التي لم تستطِع إسرائيل اختراق تحصيناتها.

وهذه المرة الأولى التي تستخدم الولايات المتحدة هذه القنابل في تاريخ حروبها بعد تجارب الإسقاط الأولي قبل 17 عاماً، وحتى الآن لم يتضح تأثيرها، إلا أن الرئيس الأميركي يقول إنها دمرت المواقع النووية الإيرانية بالكامل.

ما حجم الأضرار في إيران؟

استهدفت واشنطن منشأة نطنز، أقدم وأكبر موقع إيراني لتخصيب اليورانيوم، والمقامة على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض في سهل محاط بالجبال قرب مدينة قم جنوب طهران. وطاولت الضربات أيضاً منشأتي أصفهان وفوردو، والأخيرة تضم أكثر من ألف جهاز طرد مركزي وتنتج الكميات الأكبر من اليورانيوم العالي التخصيب الذي يقترب من المستوى العسكري، وتشكل هذه المواقع الثلاثة العمود الفقري لبرنامج التخصيب الإيراني.

ولم تعرف حتى الآن التفاصيل الدقيقة عن الأضرار المادية أو البشرية، وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لم يُسجل أي ارتفاع في مستويات الإشعاع بعد الهجوم.

وقال نائب المدير السياسي في هيئة الإذاعة الإيرانية حسن عابديني إن إيران كانت أخلت هذه المنشآت الثلاث “منذ فترة”، مضيفاً أن بلاده “لم تتكبد خسارة كبيرة لأن المواد أُخرجت مسبقاً”.

ونشرت وكالة “رويترز” نقلاً عن مصدر إيراني أن معظم اليورانيوم عالي التخصيب في فوردو نقل إلى مكان غير معلن، كما قُلص عدد العاملين إلى الحد الأدنى قبل الضربات.

 وأظهرت صور أقمار اصطناعية الخميس الماضي نشاطاً غير عادي للشاحنات والمركبات في منشأة فوردو قبل يومين من الهجوم الأميركي، وفق “واشنطن بوست”.

وصرّح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه غير متأكد ما إذا كانت إيران نقلت ذلك المخزون بعيداً من أصفهان قبل الضربة.

خطاب السبت: السلام أو المأساة

وأمس كان ترمب يراقب تنفيذ الهجوم مرتدياً قبعة “ماغا” الحمراء في غرفة العمليات مع نائبه ووزيري الخارجية والدفاع ومسؤولي الجيش والاستخبارات. وشارك في الاجتماع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، أحد مهندسي الضربة على إيران.

وخلال خطابه ليلة أمس أكد ترمب أنه وبخلاف الضربات الإسرائيلية، لم تستهدف واشنطن أيّاً من القيادات الإيرانية، واقتصر الهجوم على المنشآت النووية الثلاث.

AFP__20250622__63BT7Q8__v1__MidRes__UsIranTrumpSituationRoom.jpg

ترمب في غرفة العمليات (أ ف ب)

 لكن الرئيس الأميركي تعهد بتنفيذ ضربات إضافية أشرس إذا هاجمت إيران المصالح الأميركية في المنطقة، ولم تستجِب إلى الدبلوماسية، وقال، “إما أن يسود السلام، أو ستقع مأساة على إيران أعظم بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية”.

وأكد مسؤول كبير في إدارة ترمب أن الرئيس الأميركي أراد خلق حال من الغموض حول نواياه والجدول الزمني للتحركات العسكرية.

وأوضح وزير الدفاع الأميركي بعد الضربات أنه جرى إعداد خطة قصف إيران على مدى أشهر وأسابيع لتكون جاهزة عندما يأمر الرئيس.

ما طبيعة الرد الإيراني؟

بعد ساعات من القصف الأميركي، أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ أصابت أجزاء من تل أبيب وحيفا، مما أسفر عن إصابة 86 شخصاً في الأقل، وفقاً لمسؤولين.

ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت ستستخدم إيران وكلاءها لاستهداف المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، إلا أن الحوثيين أعلنوا أنهم “مستعدون لاستهداف السفن والزوارق الأميركية في البحر الأحمر”.

وبدأت كل من البحرين والكويت اللتين تستضيفان قواعد عسكرية أميركية باتخاذ إجراءات احترازية اليوم، تحسباً لاحتمال امتداد الصراع بين إسرائيل وإيران عقب الضربات الأميركية.

وتستضيف البحرين قاعدة “الدعم البحري” الأميركية، وهي المقر الرئيس للأسطول الخامس للبحرية الأميركية وتضم نحو 8300 بحار أميركي.

ما التدابير الاحترازية المتخذة خليجياً؟

أكدت البحرين اليوم أنها فعّلت العمل عن بعد بنسبة 70 في المئة ضمن الوزارات والأجهزة الحكومية بسبب الظروف الإقليمية وتطورات الأوضاع الراهنة، بعد أيام من تفعيل الخطة الوطنية للطوارئ المدنية وبدء اختبار صفارات الإنذار في المملكة.

ودعت وزارة الداخلية البحرينية إلى تخفيف استخدام الطرق الرئيسة، وقالت عبر بيان، “في ضوء التطورات الأخيرة بالموقف الأمني الإقليمي، نهيب بالمواطنين والمقيمين أن يكون إشغال الطرق الرئيسة عند الضرورة، حفاظاً على السلامة العامة”.

وفي الكويت، أعلن مجلس الدفاع استمرار انعقاده في ظل التصعيد الإقليمي، كما ذكرت وزارة المالية اليوم أنها قامت بتجهيز ملاجئ داخل مجمع يضم عدداً من الدوائر والوزارات الحكومية. وقبل أسبوع كشفت وزارة التربية في الكويت عن تجهيز 90 مركزاً للإيواء مهيأة بالكامل مع تفعيل خطط الطوارئ الميدانية.

وأكدت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في السعودية عدم رصد أية آثار إشعاعية على بيئة المملكة أو دول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة على المرافق النووية الإيرانية.

ماذا بعد الضربة الأميركية؟

أكد نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس أن بلاده ليست في حرب مع إيران وإنما مع برنامجها النووي، وأنها تسعى إلى تسوية دائمة مع طهران.

وأشار إلى أن واشنطن لا تستهدف تغيير النظام في إيران، لافتاً إلى أن ترمب لم يتخذ قرار الضربات باستخفاف وما زال منفتحاً على إعادة ضبط العلاقات مع إيران.

من جانبه حذّر الحرس الثوري الإيراني اليوم من أن “عدد وتوزيع وحجم القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة لم تكُن نقاط قوة، بل ضاعفت من ضعفها”، وفق وكالة “إيسنا” الإيرانية شبه الرسمية.

ردود الفعل بين إدانة وإشادة

وتباينت ردود فعل قادة العالم بعد القصف الأميركي، بين إشادة إسرائيلية بقرار الرئيس ترمب، ودعوة الأمم المتحدة إلى التهدئة فضلاً عن تنديد إيران وبعض الدول الأخرى بالهجمات.

وشكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترمب على الهجوم “الجريء”، قائلاً إنه يمثل “منعطفاً تاريخياً” قد يقود الشرق الأوسط إلى السلام.

وفي أوروبا، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على “إكس”، “لا يمكن السماح لإيران بتطوير سلاح نووي، وقد اتخذت الولايات المتحدة إجراءات لخفض هذا التهديد”، مشدداً على أن “استقرار المنطقة أولوية”.

ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إلى “تفادي مزيد من التصعيد” عقب الضربات الأميركية، وكتبت على منصة “إكس”، “لا يجب السماح لإيران بتطوير سلاح نووي لأن ذلك سيشكل تهديداً للأمن العالمي”.

عربياً، عبرت السعودية عن “قلق بالغ” حيال الضربات الأميركية، ودعت وزارة الخارجية في المملكة “إلى ضبط النفس والتهدئة وتجنب التصعيد”، وحضت المجتمع الدولي على “مضاعفة الجهود في هذه الظروف بالغة الحساسية للوصول إلى حل سياسي يكفل إنهاء الأزمة بما يؤدي إلى فتح صفحة جديدة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.

ودانت سلطنة عمان، الوسيط الرئيس في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، الضربات الأميركية، داعية إلى خفض “فوري وشامل” للتصعيد.

ورحب عدد من الجمهوريين بالهجوم، بينهم السيناتور تيد كروز الذي “أشاد” بالرئيس، لكن بعضهم كان أقل حماسة، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، المقربة من ترمب، التي قالت “هذه ليست حربنا”.

خلفيات الهجوم

في الـ13 من يونيو الجاري، شنت إسرائيل هجوماً مفاجئاً على عشرات المواقع النووية والعسكرية في إيران، معلنة أن هدفها هو تدمير برنامج طهران النووي الذي قال نتنياهو إنه اقترب من إنتاج قنبلة نووية.

وردت إيران بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل، ولا تزال المعارك الجوية بين الجانبين مستمرة منذ أكثر من أسبوع.

وتصرّ إيران على أن طموحاتها النووية سلمية. وفي مارس (آذار) الماضي، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد إن إيران زادت من مخزونها من اليورانيوم إلى مستويات غير مسبوقة، لكنها لا تطور سلاحاً نووياً وهو تقييم خالفه ترمب واعتبره “خاطئاً”.

وسابقاً تعهد الرئيس الأميركي بعدم التورط في حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط، وأعلن قبل يومين فقط أنه سيمنح إيران أسبوعين للدخول في مفاوضات جادة، إلا أن المهلة انتهت بصورة مفاجئة قبل أوانها.

واتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الولايات المتحدة بـ”نسف الدبلوماسية” عبر شنها تلك الضربات، مؤكداً أن بلاده تحتفظ بحق الرد، وأضاف تعقيباً على دعوات غربية لطهران إلى العودة للتفاوض “كيف يمكن لإيران أن تعود لشيء لم تتركه قط؟”.

المصدر – وكالات

شارك التقرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *