علي النعيم

علي النعيم محمد (أبوهالة)

كاتب صحفي

• ساقني القدر حظاً (سعيداً) وليس استحقاقاً لرئاسة اللجنة العليا للاحتفال باليوبيل الذهبي لمدرسة مدني الثانوية بنات (1963_1913)، وكانت يا لها من أيام غُصت فيها وفي أعماق أضابير ذلك التاريخ المجيد والماضي العتيق لتلك المؤسسة التربوية المتفردة، أجمل ما في تلك التجربة والاحتفائية نجاحنا كلجنة في تأليف كتاب عن تاريخ المدرسة وطالباتها ومعلميها وكل المديرين والوكلاء الذين عملوا فيها، وعند هذا الأمر تجلى الأستاذ العلامة/ الطيب عبدالرحمن في إصدار ذلك الكتاب، والذي أعده واحداً من أفراد أسرتي، لأننا وبكل أسف لا نحسن التوثيق لتلك المؤسسات العريقة.

كانت المدرسة تعمل بنظام القبول بالتعليم بالداخليات، وهي الفرصة التي أتاحت لكل بنات الولايات السودانية نيل شرف الالتحاق بتلك المدرسة العريقة. كانت بنات الشرق والشمال والجنوب والغرب يشكلن سوداناً موحداً تجمعه (مدني الجميلة). كانت منارة أكاديمية وصرحاً تعليمياً يشار إليه بالبنان. سبقتها في تاريخ التأسيس مدرسة أم درمان الثانوية بنات، لذلك يمكن أن تطلق عليها ثاني مدرسة ثانوية بالسودان، كانت الفصول ثلاثة أنهر ، وبها من المعامل والمناشط الرياضية والمسرح ما يفوق ميزانية وزارة كاملة، زان الأمر جمالاً الاختيار الموفق لإدارة المدرسة وكل تيم المعلمين والمعلمات، وحتى العاملين تم اختيارهم بتمحيص ورؤية ومنافسة. طالعت كتيب النظام الغذائي للطالبات، فأحسست وكأني في فندف خمسة نجوم.

كانت مدرسة متكاملة الأدوار التعليمية والتربوية، وزاد الأمر جمالاً المعمار الهندسي الذي أسست به وشيدت به المكاتب والفصول والداخليات ومنازل المعلمين والمدير ووكيل المدرسة. تم تجهيز وتهيئة سكن مريح لكل العاملين، وخدمات متطورة جعلت كل الهم كيف تثبت أنك معلم كفءٌ تستحق أن تكون ضمن المنافسة للنقل لمدرسة مدني الثانوية بنات. الآن وقد وصلني من الأخبار المحزنة حول الدمار الذي تعرضت له من قبل أيادي الخراب في هذه الحرب اللئيمة، وصدقوني وأقولها بكل جرأة لم يبدأ الدمار من هنا، بل من أول قرار تم فيه إلغاء نظام الداخليات بالمدارس، بل يمتد الأمر لأن تخصص نصف المدرسة لإنشاء المستشفى الصيني وصالة المعلم، وكأن ولاة أمرنا لم يجدوا لقرارهم هذا مكاناً سوى مدرسة مدني الثانوية بنات!!. تم التعدي على منازل المعلمين والمعلمات وحتى العاملين، وتوزع دمها بين البيع والهبة والتخصيص. صدقوني أياً كانت المبررات والرؤى لأصحاب القرار في نحر هذا الصرح الأكاديمي العتيق، فلن أجد لهم عذراً في عدم الحفاظ على هذا التاريخ العريق، والذي كان يمكن أن يضمَّن من ضمن المتاحف والآثار للأجيال القادمة.

مدني وبكل أسف وحرقة وألم أضاعت حنتوب، ذلك الاسم والعلم الذي لا يحتاج إلى تعريف أو صفة أو وصف ورسم، مدني يا سادتي أضاعت مدرسة مدني الثانوية بنين، وتوسعت في التعليم الأهلي والخاص وكأنها ثورة التعليم السودانية التي بناها الكبار من أموالهم وضرائبهم ومن خيرات مشروع الجزيرة. كانت مدني الثانوية بنات من أهم روافد الجامعات السودانية، بل إنها كانت من المدارس التي أحرزت منها الطالبة الأولى على نطاق الشهادة السودانية، وكانت وما زالت تتربع على رأس المئة الأوائل الذين يحرزون تلك الدرجات العليا على نطاق السودان. أكثر ما يلفت نظرك وأنت تدخل علي مكتب المدير تلك القوائم واللوحات التي يزدحم بها المكان كلوحات شرف للطالبات اللائي أحرزن أكثر من 90%.

بكل أسف ضاعت مدرسة مدني بنات بسبب قرارات رعناء، لم يكن لأصحابها أي خطة أو منطق لإحداث ذلك الدمار.
الآن إن أردنا إعادة إعمار لما دمرته الحرب، فلنبدأ بعودة كامل المدرسة، وإلغاء قرار المستشفى الصيني وقاعة المعلم وصالة المعلم، ويعوضون بمناطق أخرى، وتكوّن لجنة على قدر حجم المسؤولية والحدث لإعادة مدني الثانوية من جديد، لتعود صرحاً مميزاً كما كانت، وتعود لها أيامها وألقها وتاريخها الكبير.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *