مدرسة الأمل٤ الفنية الثانوية للصم بوادمدني

64
1

من بيت مستأجر إلى صرح تعليمي.. ملحمة إنسانية غيرت مفهوم التربية الخاصة

 

وادمدني – «فويس»

• في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1993، بزغت فكرة إنشاء مدرسة متخصصة في تعليم الصم في مدينة وادمدني، حيث تبنتها وزارة التربية والتعليم في عهد المدير العام آنذاك أبو الحسن مكين. 

جاءت الفكرة بمبادرة من المرحومة سعاد الطيب، التي اقترحت إنشاء الجمعية السودانية لتعليم الصم، لتصبح فيما بعد نواة لمشروع تربوي رائد. 

وقد حظيت الفكرة بدعم كبير من شخصيات بارزة في ذلك الوقت، من بينهم رئيس القضاء عبد المجيد إدريس، وعبد الرحمن عامر، والطبيب عابدين إبراهيم، والدكتور عثمان أحمد المصطفى، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة التربية، أبرزهم المرحوم السر يس.

حرصاً على نجاح المشروع، انتدبت الوزارة ثلاثة معلمين للتدريب في الخرطوم على لغة الإشارة وطرق التدريس الخاصة بالصم، بما في ذلك التنطيق والتخاطب. 

وكان من بين هؤلاء المعلمين مريم يس، وإخلاص حشاس، وشمس الدين دافوري، بالإضافة إلى متعاونتين هما ناهد حسن الباهي ومنارة أحمد محمد سعيد. وبعد انتهاء فترة التدريب، بدأت رحلة البحث عن مقر مناسب لاستقبال الطلاب، حيث تم تخصيص منزل المعلم أحمد عبد العزيز في حي الموظفين ليكون المقر الأول للمدرسة.

افتتحت المدرسة أبوابها رسمياً في أبريل 1994، بداية بروضة أطفال وصف أول، حيث اعتمدت أساليب تعليمية مبتكرة، منها استخدام الفن والدراما في توصيل المعلومات. 

ومن أبرز ما ميز تلك الفترة اللوحة الفنية التي قدمتها الطالبة ريان، والتي جسدت خلالها دور ساحر يستخرج علم السودان من قصاصات ملونة، مع القيام بتأدية نشيد العلم، في عرض درامي مؤثر يعكس روح الإبداع والتفاني في تعليم الصم.

مع مرور السنوات، تطورت المدرسة بشكل ملحوظ، حيث توسعت لتشمل مراحل تعليمية متكاملة، مما استدعى نقلها إلى مبنى مدرسة البحوث المتوسطة في عام 1997. وشهدت تلك الفترة زيادة في عدد الطلاب والمعلمين، الذين خضعوا لدورات تدريبية مستمرة لتحسين جودة التعليم. 

وفي عام 2004، تم إنشاء قسم التربية الخاصة بالولاية، ليصبح الجهة المسؤولة عن إدارة المدرسة، مما ساهم في مزيد من التطوير والانتظام الأكاديمي.

بلغت المدرسة مرحلة جديدة عندما وصل طلابها إلى المرحلة الثانوية، حيث بدأ التدريس في البداية بالمجال الحرفي، ثم تطور ليشمل المساق الفني الصناعي للبنين والمساق النسوي الفني للبنات. 

وفي عام 2006، شهدت المدرسة أول امتحان لشهادة الثانوية العامة، ليكون علامة فارقة في مسيرة التعليم الخاص للصم في مدينة وادمدني. 

واستمر التطور حتى وصل الطلاب إلى مرحلة التعليم الجامعي، حيث امتحنت أول دفعة في عام 2016، وأصبحوا على وشك التخرج، وهو إنجاز يعكس نجاح الرؤية التي انطلقت بها المدرسة منذ عقود.

تمثل هذه المدرسة نموذجاً للجهود المتواصلة في مجال تعليم الصم، حيث استطاعت عبر السنين أن تقدم تعليماً متكاملاً يؤهل الطلاب للاندماج في المجتمع وتحقيق طموحاتهم الأكاديمية والمهنية. 

وقد كان للدعم الحكومي والمجتمعي، بالإضافة إلى كفاءة المعلمين والمدربين، دور محوري في هذا النجاح، مما يجعلها مثالاً يُحتذى به في مجال التربية الخاصة ليس في السودان فحسب، بل على مستوى المنطقة.

هذا وقد صرحت الأستاذة حنان الشيخ – مديرة المرحلة الثانوية بمدرسة ودمدني لتعليم الصم قائلة:

«ببالغ الفخر والمسؤولية، أتلقى تكليفي بإدارة المرحلة الثانوية في هذه المدرسة الرائدة التي تُعتبر إرثاً تربوياً نفخر به جميعاً. منذ تأسيسها عام 1994 على يد روّاد مخلصين مثل الراحلة سعاد الطيب، وحتى وصول طلابنا إلى الجامعة، كنا وما زلنا نؤمن بأن الإعاقة ليست حاجزاً أمام العلم والتميز.

سنستمر في بناء على هذا النجاح عبر:

تعزيز المناهج لتشمل مهارات التوظيف وريادة الأعمال، خاصة في المسارين الصناعي والنسوي.

التوسع في استخدام التقنيات المساعِدة (مثل برامج تحويل الإشارة إلى نصوص).

تعميق الشراكة مع جامعات سودانية لضمان انتقال سلس لطلابنا إلى التعليم العالي.

كما أن لنا رؤيتنا المستقبلية التي تتمثل في:

تطوير المناهج التعليمية:

إدخال مناهج متخصصة في المهارات الحياتية وريادة الأعمال

تعزيز التعليم التقني والمهني لتأهيل الطلاب لسوق العمل

تطوير مختبرات الحاسوب وتقنيات التعليم الحديثة

الاهتمام بالجانب العملي:

إقامة شراكات مع مؤسسات القطاع الخاص لتوفير فرص تدريب عملي.

تنظيم معارض سنوية لعرض إبداعات الطلاب ومهاراتهم

التوسع في الأنشطة اللاصفية:

تفعيل النوادي الثقافية والعلمية

الاهتمام بالرياضة والفنون كوسائل تعليمية وتنموية

تعزيز التواصل المجتمعي:

تنظيم ورش عمل توعوية لأولياء الأمور

إقامة ندوات تعريفية بمهارات الصم وقدراتهم

ورسالتي لطلابنا الأعزاء: أنتم جوهر هذه المدرسة وروحها، وأعدكم بأننا سنعمل يداً بيد لتحقيق أحلامكم وطموحاتكم. لقد أثبت من سبقكم من الخريجين أن لا مستحيل مع الإصرار، وسنوفر لكم كل الإمكانيات لتحذوا حذوهم.

وأخيراً، أؤكد أننا سنعمل بكل جهد لمواصلة هذا الإرث التربوي العظيم، وسنظل نرفع شعار «التعليم حق للجميع»، وسنثبت للجميع أن طلاب الصم يستحقون كل فرصة ليثبتوا تميزهم.

نتوجه بالشكر لكل من ساهم في هذه المسيرة، خاصة المعلمين الأوائل مثل مريم يس وشمس الدين دافوري، ونجدد العهد بأن نكون عند ثقة المجتمع، وأن نصنع من طلابنا سفراء للتحدي والإنجاز.»

 

شارك المبادرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *