لو كان التباطؤ إعلاماً.. لحُزْنا الصدارة

1077
الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

• تُقاس مصداقية الدول بسرعة استجابتها الإعلامية وشفافيتها، لكن يبدو أن الإعلام الحكومي السوداني وكأنه يعيش في حقبة زمنية مختلفة، حيث التباطؤ ليس استثناء، بل قاعدة راسخة. بينما تنطلق القنوات الأجنبية والمنصات الرقمية بنقل الأخبار بلا تردد، تظل وكالة الأنباء السودانية (سونا) ووزارة الإعلام، حبيسة إجراءات بيروقراطية تفرغ الخبر من مضمونه، وتجعله مجرد صدى باهت لما سبق أن تناقله العالم. فكاميرا مواطن بسيط يجوب الشوارع لنقل الخبر أسرع وأصدق من جيش الإعلام الرسمي الجرار، وكأن المواطن الصحفي قد حل محل المؤسسة الإعلامية العاجزة وليبرهن أن المسألة ليست إمكانات بقدر ما هي حس إعلامي يلبي نهم المتابعين وحاجاتهم المعرفية!

لا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لملاحظة الفوضى الإعلامية التي يعيشها السودان. ففي كل أزمة، يتضارب الخبر الرسمي مع عشرات الروايات الأخرى، ويظل المواطن في حيرة من أمره: أيها الأصدق؟ والأمر الأكثر إثارة للسخرية أن الإجابة غالباً ما تأتي متأخرة، بعد أن يكون الخبر قد استُهلك، وتشعبت حوله الروايات، وربما نسيه الناس. فما فائدة الإعلام إن جاء متأخراً كالطبيب الذي يحضر بعد أن يلحق المريض بـ(أمات طه)؟

وزارة الإعلام، التي يفترض أن تكون الحصن المنيع ضد الشائعات، تتحول في الأزمات إلى برج عاجي يصدر بيانات مقتضبة، غير واضحة، وكأنها تخشى أن تقول الكثير، أو ربما لا تعرف ما تقول. أما (سونا)، فتكاد تكون نكتة ثقيلة في زمن الأزمات، حيث لا تنشر الخبر إلا بعد أن يصبح قديماً، وكأنها تعمل في زمن (التلغراف) بينما العالم يتسابق بوسائط رقمية فائقة السرعة.

والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا هذا العجز؟ هل هو خوف من تحمل المسؤولية؟ أم أن الجهات الرسمية تعتقد أن الصمت هو الخيار الأكثر أماناً؟ أم أن المشكلة تكمن في بنية إعلامية بالية لم تعد قادرة على مسايرة العصر؟

الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى إرادة حقيقية. أولاً، يجب كسر حواجز البيروقراطية التي تعيق سرعة نقل الخبر، وتمكين الصحفيين من العمل بحرية أكبر دون انتظار موافقات لا تنتهي. ثانياً، لا بد من تحديث آليات العمل الإعلامي، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لبث المعلومات فورياً، بدلاً من الاكتفاء بطرق النشر التقليدية. ثالثاً، يجب إنشاء غرف عمليات إعلامية تعمل على مدار الساعة لتوفير المعلومات الدقيقة والسريعة، وتكون حلقة وصل بين الجهات الرسمية والجمهور.

لكن كل هذه الحلول تبقى حبراً على ورق إذا لم يصاحبها تغيير في الثقافة الإعلامية السائدة. فالإعلام الحكومي لن ينجح إلا إذا أدرك أن دوره ليس مجرد نقل أخبار، بل بناء ثقة، وأن التلكؤ والغموض لا يخدمان إلا أعداء الحقيقة. السودان يستحق إعلاماً يكون في الصف الأمامي، لا في المؤخرة، إعلاماً يسبق الحدث بدلاً من أن يجر خلفه. فإما أن نستيقظ من هذا السبات، أو سنظل نعيش على هامش الزمن، ننتظر وكالة أنباء تستيقظ متأخرة لتفرك عينيها، بينما العالم من حولنا يسبقنا بخطوات ويفتح بصره بقدر (الريال أبوعشرة).

 

شارك الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *