يوسف عبدالرضي2

يوسف عبدالرضي

شاعر وكاتب صحفي

• الرد على سؤال أحد الأصدقاء مستفسرًا هل قطع الرحط عادة منتشرة في كل بقاع السودان؟

في بعض اللحظات، يكفي سؤال واحد ليوقظ فيك ذاكرة وطن بأكمله. سؤال بسيط من صديق، لكنه يشبه شرارة صغيرة تضيء مساحات كانت في الظل. في تلك اللحظة، لا تعود تجيب عن العادة أو الطقس فحسب، بل عن التاريخ والناس، عن الأمكنة التي عبرتها الحكايات، وعن الفروق التي صنعت لنا هذا الوجه المتعدد للسودان.

سألني صديق، وكأنما يرمي حجرًا صغيرًا في بحيرة من الأسئلة:

• هل موروث «قطع الرحط» ينطبق على كل السودان؟

ابتسمت، ثم أجبته: لا يا صديقي، ليس كل ما نحمله في ذاكرتنا الجمعية صالحًا للتعميم. في بلادنا، هناك مناطق مثل الأنقسنا في النيل الأزرق وبعض مناطق جنوب كردفان لا تعرف هذه العادة، ولا تدخل ضمن طقوس أفراحها.

لكن السؤال أخذني بعيدًا… بعيدًا عن «قطع الرحط» كطقس، إلى ما هو أعمق: نحن أمّة، لكنها ليست لوحة بلون واحد، بل فسيفساء تتجاور فيها ألوان متعددة، لكل منها ظلّها ودفؤها ورائحتها الخاصة. في السودان، تتعانق ثقافات فرعية وبيئات مختلفة، تصنعها عوامل الدين والمناخ والتاريخ والموروث الشعبي، وكل واحدة منها تروي قصة مختلفة عن الأخرى.

التعامل مع الموروثات يحتاج قلبًا مفتوحًا وعقلًا فاحصًا. لا يكفي أن نقول: هذا جزء من ثقافتنا، إذ علينا أن نتساءل: في أيّ بيئة نشأ؟ أيّ قيم حمل معه؟ وأيّ صورة يريد أن يرسمها لمستقبلنا؟ هناك ما هو متفق عليه بيننا، وهناك ما هو متداخل، وهناك أيضًا ما هو شاذ يحتاج إلى تطوير لا إلى إلغاء، حتى يستقيم مع إيقاع الحياة الحديثة.

إن أردنا أن نجعل الثقافة جسرًا يعبر بنا نحو الغد، فعلينا أن نبنيها على الاحترام المتبادل. أن نعلي من المشترك بيننا: الكرم، التضامن، الأغنية التي تسافر من ضفة النيل إلى أعالي الجبال، والضحكة التي تكسر حدة الغربة. وفي ذات الوقت، نترك لكل خصوصية أن تزهر، بلا خوف من الاختلاف، بل بفخر أننا متنوعون.

وربما، يا صديقي، يبدأ كل هذا من سؤال صغير عن موروث واحد، لكنه في الحقيقة يفتح الباب لسؤال أكبر: كيف نصنع من هذا التنوع وطنًا واحدًا، لا يمحو الفروق، بل يجعلها مصدر جماله وقوته؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *