
محمد المهدي الأمين
مستشار التحرير وكاتب صحفي
• بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أتقدم بالتهنئة لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأخصّ بالتهنئة قراء صحيفة (ڨويس)، سائلاً الله أن يصلح حال الأمة، وأن يكون المقبل من أيامنا خيراً مما مضى.
كلما حلَّ علينا عيد الأضحى، أحيا لديَّ ذكرى كمين عزيزة على نفسي، مرَّت عليها أكثر من أربعة عقود. ذلك أنني ووالدي من المحبين للكوارع والكمونية، خصوصاً أن الوالدة بت السنهوري وشقيقتي نعيمة لهما لمسة في الطبيخ لا تقاوم، فكانت الخطة كالآتي، عندما يريد والدي الخروج إلى سوق أمدرمان يسأل عن طلبات البيت من أغراض ومنها اللحمة والخضار، لكن الاتفاق (تحت التربيزة) ألا يكون السؤال إلا بوجودي، وبعد تحديد المطلوبات يكرر والدي السؤال (تاني ما دايرين حاجة؟)، وهي الإشارة التي ألتقطها سريعاً وأطلب أحياناً (كوارع)، ومعظم الأيام يكون الرد (دايرين كمونية)، فيبتسم والدي، وكأنها رسالة شكر على إتقان دوري، ويكون طلبي قد تسيَّد القائمة وأصبح الأول، لأنني آخر العنقود، ولأن الطلب صادف هوى في نفسه.
وتمضي الأيام ونحن في متعة بنجاح خطتنا، ولا يمرّ يوم إلا ولنا فيه ما نشتهي.
ما كنت أظن أن الوالدة وشقيقتي قد طفح كيلهما، وأنهما بلغا حدّاً من المعاناة من طلباتي التي لا تنتهي، وقد قررتا وضع حدٍّ لذلك المسلسل المكسيكي المستمر منذ سنوات، لكن حقيقة لم أعرف من هي صاحبة الخطة منهما، التي ترمي إلى منعي من التشهي.
جاء اليوم المحدد لتطبيق الخطة، وكان مثل سائر الأيام، إذ جلست مع والدتي وشقيقتي في ذاك الصباح، وشربنا الشاي، وتناقشنا في عدد من المواضيع، وحضر والدي وهو يستعد للخروج إلى السوق، ووقف يسأل عن المطلوبات، وعندما اكتملت الطلبات وجّه سؤاله المعروف لديَّ (تاني ما دايرين حاجة؟)، فكان ردي سريعاً (دايرين كمونية يا أبوي).
في عصر ذلك اليوم، وعند عودة والدي من السوق، كنت حاضراً لأطمئن على إحضار طلبي، وقد كان أول ما أطلّ خارجاً من (المخلاية) التي بها الأغراض، وبعد مراجعة سريعة، ودعاء للوالد الذي ذهب لينال قسطاً من الراحة، هممت أنا العبد الفقير إلى الله بمغادرة المكان، لكني وجدت نفسي في كمين محكم، وقد أغلق الباب ووالدتي وشقيقتي تحمل كلُّ واحدة منهما عصا غليظة، وأوقفت تحت التهديد، وسمعت محاضرة عن معاناتهما اليومية من نظافة الكمونية، وصدر قرارهما بأن أجلس لتنظيفها، ولم تفلح توسلاتي ولا إظهار ضعفي، واستمرت عملية النظافة نحو ساعتين بتوجيهات ومتابعة لصيقة منهما، (وللأمانة عرفت فعلاً أن الموضوع شاق جداً، وليس سهلاً كما أظن).
وبعد ذلك سُمِحَ لي بالتوقف، مع إبداء عدم رضاهما عن جهدي الذي لم يصل إلى المستوى المطلوب من النظافة، لكنهما وجّهتا لي تهديداً صريحاً، بأنَّ أي كمونية يحضرها أبي سيكون عليَّ الجلوس لنظافتها، ومن دون مساعدة منهما. وهنا تمَّ إنهاء تحالفي السري مع والدي، ولم أعد أطلب الكمونية، كما عملت من باب سد الذرائع على عدم طلب الكوارع، عملاً بمبدأ (الجرب نظافة الكمونية بخاف من الكوارع). وصار والدي يتلقى الطلبات وعندما يسأل (ما دايرين حاجة تاني؟)، فأبادره بالإجابة (دايرين خدرة بس).
رحم الله والدي الأمين سيد أحمد، ووالدتي آمنة محمد أحمد سنهوري، وشقيقتي الكبرى نعيمة التي كنت أسميها (النعمة)، وقد كانت نعمة بحقٍّ وحقيقة.
شارك المقال