غابات المانجروف دروع بيئية مهددة بالبلاستيك عبر سواحل العالم

181
pic01

اليوم العالمي للبيئة ٢٠٢٥

بقلم: أ. د. طلعت دفع الله عبد الماجد

مستشار غابات

• يُعتبر يوم البيئة العالمي 2025 مناسبة مهمة في تحفيز الضمير العالمي تجاه القضايا البيئية الملحة التي تهدد كوكب الارض. 

يشمل هذا اليوم مجموعة من القضايا الحيوية، بدءًا من غرس الأشجار للمساهمة في مكافحة التصحر والتدهور البيئي، وصولًا إلى خفض النفايات والتلوث وحماية التنوع الاحيائي. كما يُعزز من أهمية خيارات التنمية المستدامة التي توازن بين الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. 

حينما يتعاون المجتمع الدولي ويعزز من جهود التضامن، يصبح من الممكن إحداث تغييرات ملموسة في السلوك البشري نحو تقليل الممارسات الضارة بالبيئة مثل ضرر النفايات البلاستيكية علي البحار والمحيطات التي اختيرت كموضوع لهذا العام، مما يُسهم في خلق عالم أكثر استدامة لأجيال المستقبل.

في عام 2025، يأتي يوم البيئة العالمي تحت شعار «التصدي لتلوث البلاستيك». هذا العام، تركز الفعاليات على إحدى القضايا البيئية الأكثر إلحاحًا في عصرنا، وهي تلوث المحيطات والنظم البيئية البحرية بسبب النفايات البلاستيكية. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 11 مليون طن من البلاستيك تتسرب سنويًا إلى المحيطات، مما يتسبب في تدهور الحياة البحرية وتهديد التنوع البيولوجي. تواجه البشرية اليوم تحديًا هائلًا في الحد من هذا التلوث والبحث عن حلول مستدامة للتعامل مع هذه القضية.

أهمية التصدي لتلوث البلاستيك: نحو استدامة بيئية عالمية

يعتبر تلوث البلاستيك تهديد مستمر لصحة الإنسان والكائنات البحرية. تشير الأبحاث إلى أن النفايات البلاستيكية تمثل أحد العوامل الرئيسة في تدهور الأنظمة البيئية البحرية، بما في ذلك الشعاب المرجانية وحياة الأسماك. إن الحلول الفعالة تشمل التشجيع على إعادة التدوير، والبحث عن بدائل مستدامة للبلاستيك، وتقليل الاستخدام غير الضروري للبلاستيك.

تلوث البحار بالبلاستيك وتأثيره على غابات المانجروف: تهديد بيئي متزايد

غابات المانجروف من النظم البيئية الساحلية الحيوية التي تلعب دورًا أساسيًا في حماية الشواطئ من التآكل، وتوفير موائل غنية للتنوع البيولوجي، وامتصاص الكربون، مما يسهم في التخفيف من آثار التغير المناخي. 

ومع ذلك، فإن هذه الغابات تواجه تهديدًا متزايدًا نتيجة لتلوث البحار والمحيطات بالنفايات البلاستيكية. 

تشير الدراسات إلى أن غابات المانجروف تعمل «كمصائد» للنفايات البلاستيكية، حيث تلتقط جذورها الهوائية كميات كبيرة من المخلفات البلاستيكية التي تجرفها التيارات البحرية. في المملكة العربية السعودية، تمتد غابات المانجروف على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، وتغطي مساحة تقدر بحوالي 204 كيلومترات مربعة. 

وقد أظهرت الدراسات أن أكثر من 90% من النفايات التي تتراكم في هذه الغابات هي من البلاستيك، بما في ذلك الأكياس، والزجاجات، والحبال، وأغلفة التعبئة. وتزداد كثافة هذه النفايات كلما ابتعدنا عن خطوط الملاحة البحرية الرئيسية، مما يشير إلى تأثير التيارات البحرية في نقل النفايات إلى هذه الغابات

لا تقتصر تأثيرات التلوث البلاستيكي على الأضرار المادية المباشرة، بل تمتد لتشمل التأثيرات البيئية والصحية على الكائنات البحرية. فقد أظهرت الدراسات أن الكائنات البحرية، مثل الأسماك والطيور، قد تلتهم هذه النفايات عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى اختناقها أو إصابتها بأمراض خطيرة. كما أن المواد الكيميائية السامة المرتبطة بالبلاستيك، مثل الإضافات الصناعية والملوثات، قد تمتصها الكائنات البحرية، مما يؤثر على صحتها وصحة الإنسان الذي يعتمد على هذه الموارد الغذائية.

تُظهر هذه الجهود التزام الدول الأعضاء في اتفاقية جدة بحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، وتُعد خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على النظم البيئية البحرية والساحلية للأجيال القادمة.

الاتفاقيات الدولية لحماية البحار والمحيطات

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) – 1982

تُعد هذه الاتفاقية الإطار القانوني الأساسي لإدارة المحيطات والبحار، حيث تحدد حقوق الدول وواجباتها في المناطق البحرية المختلفة، بما في ذلك المناطق الاقتصادية الخالصة والمياه الدولية.

اتفاقية التنوع الاحيائي في المناطق البحرية خارج نطاق الولاية الوطنية (BBNJ) – 2023

تُعتبر هذه الاتفاقية خطوة مهمة نحو حماية التنوع الاحيائي في المحيطات، حيث تهدف إلى إنشاء مناطق محمية بحرية في المياه الدولية، وتنظيم استخدام الموارد البحرية الجينية.

الاتفاقيات الإقليمية  لحماية البحار والمحيطات

اتفاقية جدة (1982) – البحر الأحمر وخليج عدن

اتفاقية جدة 1982»، وهي الاتفاقية الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن. تم توقيعها في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في فبراير 1982، تحت رعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن لحماية البيئة البحرية والساحلية من التلوث والاستنزاف. 

في إطار اتفاقية جدة، تم اعتماد عدة بروتوكولات تهدف إلى حماية البيئة البحرية والساحلية، من بينها البروتوكول الخاص بحماية البيئة البحرية من الأنشطة البرية، الذي يركز على الحد من التلوث الناتج عن المصادر البرية، بما في ذلك النفايات البلاستيكية. كما تم إنشاء الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، التي تعمل على تنفيذ هذه البروتوكولات وتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء لمكافحة التلوث وحماية النظم البيئية الهشة مثل غابات المانجروف . 

اتفاقية برشلونة– البحر الأبيض المتوسط

تُركز هذه الاتفاقية على حماية البيئة البحرية والساحلية للبحر الأبيض المتوسط من التلوث، وتشمل بروتوكولات لحماية النظم البيئية الساحلية مثل غابات المانجروف. تم اعتمادها في عام 1976، وتشمل سبع بروتوكولات تتناول مختلف جوانب التلوث والحفاظ على التنوع البيولوجي.

البروتوكولات الرئيسية:

بروتوكول المناطق المحمية والتنوع البيولوجي (SPA/BD): تم اعتماده في 10 يونيو 1995، ودخل حيز التنفيذ في 12 ديسمبر 1999. 

بروتوكول مكافحة التلوث من المصادر البرية (LBS): تم اعتماده في 1980، ودخل حيز التنفيذ في 1983.

بروتوكول الوقاية من التلوث الناتج عن السفن والطوارئ: تم اعتماده في 2002، ودخل حيز التنفيذ في 2004.

اتفاقية نيروبي– غرب المحيط الهندي

تم اعتمادها عام 1985 وتهدف هذه الاتفاقية إلى حماية البيئة البحرية والساحلية في منطقة غرب المحيط الهندي، بما في ذلك غابات المانجروف. جزءًا من برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) لحماية البيئة البحرية في منطقة غرب المحيط الهندي، وتشمل عدة بروتوكولات تهدف إلى حماية النظم البيئية البحرية والساحلية.

البروتوكولات الرئيسية:

بروتوكول التعاون في مكافحة التلوث في حالات الطوارئ: تم اعتماده في 1985، ودخل حيز التنفيذ في 1996.

بروتوكول المناطق المحمية والحياة البرية: تم اعتماده في 1985، ودخل حيز التنفيذ في 1996.

تنتشر غابات المانجروف على طول ساحل البحر الأحمر السوداني، وتُعتبر من النظم البيئية الهامة التي توفر موائل للعديد من الكائنات البحرية وتساهم في حماية السواحل من التعرية. تُظهر الدراسات أن هذه الغابات تتواجد في مناطق مختلفة على الساحل، بما في ذلك مصبات الأودية والخلجان.

الاتفاقيات البيئية البحرية التي وقع عليها السودان

اتفاقية جدة لحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (1982)

اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)

وقع السودان على هذه الاتفاقية في 10 ديسمبر 1982، ولكن لم يصادق عليها بعد. تُعد هذه الاتفاقية الإطار القانوني الأساسي لإدارة المحيطات والبحار، حيث تحدد حقوق الدول وواجباتها في المناطق البحرية المختلفة، بما في ذلك المناطق الاقتصادية الخالصة والمياه الدولية. 

اتفاقية إدارة مياه التوازن (BWM)

لم يوقع السودان على هذه الاتفاقية التي تهدف إلى حماية البيئة البحرية من نقل الأنواع الغازية عبر مياه التوازن في السفن. على الرغم من ذلك، بدأ السودان في اتخاذ خطوات نحو التصديق عليها، مما يعكس اهتمامه بحماية بيئته البحرية. 

التحديات والثغرات في تنفيذ الاتفاقيات

عدم المصادقة على اتفاقية UNCLOS: يحد من قدرة السودان على الاستفادة الكاملة من حقوقه البحرية وتنفيذ التزاماته الدولية.

عدم الانضمام إلى اتفاقية BWM: يترك السودان عرضة لمخاطر التلوث البيولوجي من مياه التوازن في السفن.

ضعف البنية التحتية والتمويل: يؤثر على قدرة السودان على تنفيذ برامج حماية البيئة البحرية ومراقبة التلوث.

نقص التشريعات الوطنية: يعيق تطبيق الاتفاقيات الدولية على المستوى المحلي.

إن حماية غابات المانجروف من التلوث البلاستيكي تتطلب تكاتف الجهود على المستويين المحلي والدولي. فهذه الغابات ليست فقط درعًا طبيعيًا ضد التعرية والفيضانات، بل تلعب دورًا رئيسيًا في تخزين الكربون ومكافحة تغير المناخ. ومع ذلك، فإن التلوث البلاستيكي يشكل تهديدًا كبيرًا لهذه النظم البيئية، حيث يُعيق نموها ويؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي.

لضمان استدامة غابات المانجروف للأجيال القادمة، يجب تعزيز الوعي البيئي، تطوير السياسات البيئية، وتشجيع الابتكار في إدارة النفايات. علاوة على ذلك، يستدعي الأمر التعاون الدولي من خلال تعزيز التشريعات البيئية وتنفيذ الاتفاقيات العالمية لحماية البيئة البحرية.

الوعد والمُنى

إنّ التحديات البيئية التي تواجه غابات المانجروف، وفي مقدمتها التلوث البلاستيكي، تُحتم علينا جميعًا، حكوماتٍ وشعوبًا، أن نعيد النظر في علاقتنا بالطبيعة، وأن نستنهض الضمير البيئي العالمي لحماية ما تبقّى من نظمنا الإيكولوجية. هذه الغابات ليست مجرد أحزمة خضراء عند السواحل، بل هي حصون طبيعية ضد التغير المناخي، وخزائن حية للتنوع البيولوجي، وسندٌ خفي لحياة الملايين.

وفي هذا السياق، تُؤمن حركة السودان الأخضر بأن الطريق نحو الاستدامة يمرّ عبر تغيير إيجابي إنسيابي إبداعي أخضر، يرتكز على الوعي الشعبي، والمشاركة المجتمعية، والاستثمار في الابتكار البيئي، خاصة في ما يتعلّق بإدارة النفايات وتطوير بدائل مستدامة للبلاستيك. فكل شجرة تُزرع، وكل ساحل يُحمى، وكل قرار بيئي يُتخذ، هو خطوة في اتجاه سودان أكثر خضرة، وعالم أكثر عدلاً بيئيًا.

إن حماية غابات المانجروف، وسائر النظم البيئية، ليست ترفاً بيئياً بل ضرورة وجودية تُمليها الأمانة الأخلاقية والواجب الإنساني تجاه الأرض، وتجاه من سيأتون بعدنا.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *