ظاهرة تعاطي المخدرات بين طلاب المدارس والجامعات في السودان… كارثة صامتة تهدد المستقبل
Admin 14 يونيو، 2025 626
مقدمة
• في ظل الاضطرابات السياسية، النزاعات المسلحة، والانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، برزت ظاهرة جديدة تُعد من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمع السوداني، وهي انتشار تعاطي المخدرات وسط طلاب المدارس والجامعات.
تشير الشهادات الحية، والتقارير غير الرسمية، والملاحظات الميدانية من المدارس، إلى أن المخدرات أصبحت سهلة الوصول حتى داخل الفصول الدراسية، مما يحتم علينا الوقوف الجاد، التوعية، والعلاج.
القسم الأول: واقع خطير على الأرض
1. الشهادات اليومية:
طالبة بجامعة حكومية معروفة: «الشبو ما بقى صعب، بتلقى من يبيعوا قريب من الداخليات، والناس بتجرب بدافع الفضول أو الهروب من الواقع».
مدير مدرسة ثانوية للبنين بأم درمان: «لاحظنا تغيّرات مفاجئة في سلوك بعض الطلاب، ففعلنا التفتيش العشوائي ومنعنا الزيارات تمامًا خلال اليوم الدراسي. وجدنا حالات لحبوب مخدرة وتم التعامل معها فورًا».
معلم من مدرسة ثانوية في الحاج يوسف: «أطلقنا مبادرة توعية أسبوعية بمشاركة أطباء نفسيين من المحلية، واستفاد منها عدد كبير من الطلاب».

القسم الثاني: أنواع المخدرات المنتشرة بين الطلاب
الشبو (الميثامفيتامين): الأكثر خطورة وانتشارًا، يصل للطلاب في شكل بودرة أو كريستال، وله تأثير سريع وقوي.
الترامادول: في البداية كان يُستخدم كمسكن، لكن سوء استخدامه جعله من أكثر المواد تعاطيًا.
الحشيش المحلي والمهرّب: ما زال يُستهلك على نطاق واسع.
الكحول الصناعي والرخيص (سبيرتو، كولونيا): يستخدمه بعض الأطفال والطلاب للهروب من الواقع.
حبوب الهلوسة (مثل الإكستاسي): تُستخدم في جلسات خاصة داخل الشقق أو أثناء المناسبات.

القسم الثالث: الأسباب المركبة وراء الظاهرة
1. نفسية – اجتماعية:
الصدمات الناتجة عن الحرب، النزوح، وفقدان أحد الأبوين.
الوحدة، الاكتئاب، غياب الدعم النفسي.
الفراغ القاتل داخل المدارس والجامعات.
2. تربوية:
ضعف الرقابة في بعض المؤسسات التعليمية.
نقص دور الإرشاد النفسي والتربوي.
ضعف مشاركة الأسرة في متابعة الأبناء.
3. اقتصادية – سياسية:
التدهور المعيشي العام يجعل الطلاب يبحثون عن مخدرات رخيصة للهروب.
غياب القانون، وتفكك المجتمع في مناطق النزاع.

القسم الرابع: استجابات المجتمع التربوي المحلي
رغم صعوبة الظروف، حاولت بعض المدارس اتخاذ إجراءات حازمة، مثل:
منع تام للزيارات خلال اليوم الدراسي.
تفعيل نظام التفتيش العشوائي للحقائب.
فصل الطلاب المتورطين مع تحويلهم إلى مختصين نفسيين.
تكوين فرق دعم نفسي داخل المدارس.
دعوة مختصين من مراكز الصحة النفسية المحلية لعقد ورش توعية.

القسم الخامس: مراكز علاج محلية تقدم الأمل داخل السودان
رغم نقص التمويل والدعم الحكومي، توجد بعض المراكز التي تقوم بدور محوري في العلاج والتأهيل:
1. مستشفى التيجاني الماحي للأمراض النفسية (الخرطوم):
مؤسسة طبية متخصصة تقدم خدمات نفسية وعلاجية لحالات الإدمان.
يتوفر فيها أطباء واستشاريون في الطب النفسي.
2. مركز النور للتأهيل النفسي والاجتماعي (بحري):
يقدم برامج تأهيل شاملة تشمل جلسات جماعية، دعم أسري، وخطط متابعة.
3. وحدة الإدمان بمستشفى الشرطة:
تقدم خدمات علاجية للموقوفين بقضايا مخدرات وللحالات الأخرى.
4. مبادرات مجتمعية محلية:
في مناطق مثل الحاج يوسف، مايو، وجبرة، ظهرت مبادرات من شباب متعافين يعملون على توعية الآخرين وتوصيلهم لمراكز العلاج.

القسم السادس: قصص حقيقية من قلب الأزمة
قصة «م» – شاب في مرحلة الثانوي:
«كنت بدرس في مدرسة حكومية، وكنت مهتم بالرياضة لكن بعد وفاة والدي وتدهور أوضاعنا، انسحبت وانعزلت، وبديت أتعاطى شبو. اتوقفت لما وقعت في غيبوبة ونُقلت لمركز علاج بالخرطوم. الآن بعد ما اتعافيت، بساعد في توعية غيري من الشباب في منطقتنا».
القسم السابع: ماذا يمكننا أن نفعل؟
توصيات عملية من الواقع السوداني:
دمج التوعية ضد المخدرات في المناهج الدراسية، بطرق غير مملة وتفاعلية.
تفعيل وحدات الإرشاد النفسي داخل المدارس.
تمويل مراكز العلاج المحلية وتوسيع خدماتها في الولايات.
إطلاق حملات إعلامية مستمرة في الإذاعات المحلية ومنصات التواصل.
خلق شراكات بين وزارة الصحة والتعليم ومنظمات المجتمع المدني.
تشجيع الرياضة والفنون والمسرح كأنشطة بديلة عن المخدرات.
إشراك أولياء الأمور في التوعية وتقديم الدعم لأبنائهم.

الخاتمة
ظاهرة تعاطي المخدرات بين الطلاب ليست مجرد قضية صحية، بل كارثة مجتمعية تهدد مستقبل أمة بأكملها. ومع ذلك، فإن الإرادة الجماعية والوعي المجتمعي قادران على صدّ هذا الخطر.
لقد أثبتت تجارب بعض المدارس ومراكز العلاج المحلية والمجتمعات أن الوقاية والعلاج ممكنان، حتى في أحلك الظروف. وعلينا جميعًا – كأطباء، معلمين، أسر، ومواطنين – أن نتكاتف لحماية أبناء السودان من هذا الخطر الصامت.
نُشر هذا المقال بدعم من جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين في المملكة المتحدة (SBPCA)، ضمن مبادرتها لنشر الوعي الصحي والمجتمعي في أوساط الشباب السوداني.

المراجع
1. وزارة الصحة السودانية – تقرير مكافحة المخدرات 2023
2. جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين ببريطانيا – مبادرة المدارس الآمنة
3. شرطة مكافحة المخدرات – إحصائيات سنوية
4. مقابلات حية مع طلاب سابقين خضعوا للعلاج
5. دراسة: «المخدرات في البيئة المدرسية السودانية» – جامعة الخرطوم 2022
• هذا المقال تمت صياغته وجمعه بدعم من جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين بالمملكة المتحدة (SBPCA)
بالتعاون مع أطباء نفسيين، تربويين، طلاب، ومراكز علاج محلية.
شارك المقال