ظاهرة اجتماعية شديدة التعقيد: التسوُّل.. وسيلة غير مشروعة للكسب السهل
Admin 31 مايو، 2025 63

نعمات مصطفى عبد الرحمن
• التسول ظاهرة اجتماعية شديدة التعقيد، تنجم عن التعرض لعدة عوامل مرتبطة بالمسارات الشخصية للأفراد المعنيين، وعلى نطاق أوسع بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وتساهم هذه العوامل- التي غالباً ما تكون مترابطة- في تعريض الأشخاص للهشاشة بدرجات متفاوتة، وهو ما يفسر عدم تجانس «بروفايل» المتسولات والمتسولين.
ظهارة بغيضة
يعدُّ التسول من الظواهر الممقوتة والبغيضة، باعتباره وسيلة كسب سهلة غير مشروعة، تفرز أفراداً من مختلف الفئات العمرية يكونون عالة على المجتمع، ويسهمون في ضعفه وهوانه، وتقديم صورة سيئة عنه، إضافة إلى آثارها السلبية على المجتمع في مختلف المجالات والأصعدة».
أسباب التسول
من الأسباب المؤدية للتسول الحاجة والضرورة، فعلى الرغم من أن الحاجة والفقر الشديد قد يكونان سبباً للمتسولين لانتهاج هذا المسلك لطلب الرزق والمال في حياتهم، إلا أنه لا يعد بالتأكيد عذراً مشروعاً للتسول.

سهولة تحصيل المال
يرى كثير من المتسولين أن هذا المسلك والطريق في تحصيل المال يعد ميسراً وسهلاً، ولا يحتاج إلى إعداد أو جهد بدني، وأغرى هذا الأمر كثيراً من المتسولين لانتهاج مسلك التسول، وأدى إلى شيوع هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة.
نظرة الناس إلى المتسولين
على الرغم من تحذير الدعاة والعلماء من ظاهرة التسول والمتسولين، والنهي المتكرر عن دفع الأموال لهم، إلا أن كثيراً من الناس تجدهم يدفعون الأموال إلى هؤلاء المتسولين، مما يشجعهم على انتهاج هذا المسلك في الحياة، وترك اتباع السبل الأخرى الصحيحة في تحصيل الرزق والمال الحلال.

تهاون السلطات في الحد من الظاهرة
أغرى تقاعس السلطات عن تنفيذ مسؤولياتها في الرقابة على هذه الظاهرة، ومحاسبة من يقف وراءها، إلى انتشارها وشيوعها في مجتمعاتنا.
كما أن عدم وجود مظلة أمان اجتماعي تحمي الفقراء والمحتاجين وتسد احتياجاتهم، يدفع أصحاب الحاجات إلى التسول، لسهولة ممارسته، وعدم وجود عقوبات رادعة على المتسولين.
سبل القضاء على ظاهرة التسول
القضاء على ظاهرة التسول يستدعي تضافر جهود جميع فئات المجتمع من أفراد ومؤسسات وسلطات، كل على حسب مسؤولياته، فالفرد عليه مسؤولية ذاتية في أن يسعى للعمل حتى لو كان هذا العمل متعباً أو لا يناسب مؤهلاته، وعلى المؤسسات المختلفة؛ ومنها: المؤسسات الدينية، والعلماء، والدعاة مسؤولية توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة وسلبياتها، وعلى السلطات القيام بمسؤولياتها أيضاً في القضاء على هذه الظاهرة، من خلال تفعيل صندوق الزكاة الذي يسد حاجات الفقراء والمساكين، والقبض على العصابات التي تقف وراء المتسولين الصغار.

نظرة الشريعة الإسلامية للتسول
لأن الشريعة الإسلامية شريعة شاملة، ولم تغفل معالجة أي قضية من قضايا المجتمع المسلم، ومن بينها ظاهرة التسول وسؤال الناس، فقد وضع النبي – عليه الصلاة والسلام- منهجاً واضحاً يقضي على هذه الظاهرة، حينما حث على طلب الرزق بالسعي والكد والعمل، بعيداً عن التعطل والتواكل على الغير، وفي الحديث النبوي الشريف: (لأن يَحتطبَ أحدُكم حزمَةً على ظهرِه، خيرٌ من أن يَسألَ أَحَداً، فيُعطيَه أو يمنعَه) [صحيح البخاري]، كما تحدث عن صورة من يسأل الناس كثيراً في الدنيا حين قال: (لا تزالُ المسألةُ بأحدكم حتى يَلْقى اللهَ، وليس في وجهِه مُزْعَةُ لحمٍ).
ظاهرة قديمة متجددة
لا شك في أن التسول ظاهرة قديمة، لكنها بدأت تأخذ أشكالاً جديدة مستحدثة إلكترونية وموسمية خاصة بالمناسبات والأعياد وغيرها.
وقد استفحلت بعد انتشار الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والتصحر، والأوبئة والجوائح، مثل «كورونا» في ظل التردي المستمر للأوضاع الاقتصادية والسياسية، فالظروف الاقتصادية والضغوط المجتمعية هي التي تدفع بأولئك الأشخاص إلى استجداء عطف الناس وطلب يد المساعدة.
وظهرت فئات من المتسولين، كما ظهرت وسائل جديدة للتسول، حيث تحولت مواقع التواصل إلى أداة للاستجداء.
ومما لا شك فيه أن لظاهرة التسول آثاراً سلبية على المجتمع.
استخدام الأطفال لاستدرار العطف
ترى فئة من الناس أن التسول وسيلة لكسب المال بسهولة، ولا علاقة له بالحاجة المادية أو الظروف الاقتصادية، مشيرين إلى لجوء المتسول إلى أسلوب استدرار العطف باستخدام الأطفال في كثير من الأحيان، وكذلك الإلحاح الذي يدفع المارة وقائدي السيارات لمنحه المال، ظناً منهم أنهم يقومون بعمل الخير والإحسان، ولا يعلمون أنهم يساعدون ذلك المتسول في الاستمرار بامتهان سؤال الناس باعتبارها الطريق الأسهل لكسب المال. ومن المؤكد أن التسول ليس ظاهرة فردية، وإنما شبكة أشبه بـ»المافيا»، لأن في كل منطقة يكون هناك من يقف وراء توزيع هؤلاء المتسولين، ويحصل منهم على جزء كبير من إيراد التسول اليومي.
والضحية الأكثر تضرراً في التسول غالباً ما يكون الطفل الذي يستخدمه المتسول لاستعطاف المارة، سواء أكان المتسول من أسرة الطفل أم لا. فبعض هؤلاء الأطفال يكونون مستأجرين مقابل مبلغ بسيط من المال يومياً، تعطى للأم مقابل استغلال المتسول الطفل في أعماله.

تشويه صورة المجتمع
يمتد تأثير التسول إلى ما هو أبعد من الفرد المحتاج، ليشمل المجتمع بأكمله؛ فإلى جانب الآثار الاقتصادية؛ التي تتمثل في هدر موارد المجتمع على دعم أفراد قد لا يكونون بحاجة حقيقية للمساعدة، تظهر تأثيرات نفسية واجتماعية عدة، منها تشويه صورة المجتمع؛ حيث يؤدي انتشار التسول إلى خلق صورة سلبية عن المجتمع.
موقف الإسلام من التسول
إن ظاهرة التسول من الظواهر السلبية على المجتمع، فلو نظرنا إلى الإسلام نجد أنه قد حارب التسول حرباً لا هوادة فيها، وبالغ في النهي عن سؤال الناس، وعندما أشار الحق سبحانه وتعالى لمن يستحقون الصدقات، ذكر في أوصافهم العفاف، وعدم سؤال الناس حتى يظنّ من يجهل حالهم أنهم أغنياء».
شارك التحقيق