شهادة الجنسية السودانية.. هل من عودة هل؟

34
د. نجم الدين عبدالرحيم 2

د. نجم الدين عبدالرحيم

كاتب صحفي

• إلى السيد وزير الداخلية:  

بعد السلام 

  فى العام ٢٠١٤ صدر أمر إداري من الإدارة العامة للسجل المدني بإلغاء شرط إحضار الجنسية السودانية لاستخراج رقم وطني لمقدم الطلب، واستعاض عن ذلك بالتحري المباشر مع مقدم الطلب بواسطة ضابط السجل المدني، ثم إكمال إجراءات أرشفة المستندات وأخذ البصمة والصورة الشخصية. 

 هنا يبرز السؤال المهم في ماهية  الضرورة والمبرر من إصدار هذا الأمر، الذي تبعه كم كبير من الإخفاقات والتجاوزات والسلبيات التي استعصى حلها حتى الآن.

إذن ما هي هذه الإخفاقات والتجاوزات والسلبيات؟  

على سبيل المثال لا الحصر:

١- حصول عدد كبير من الأجانب من الدول المجاورة على الرقم الوطني، خاصة في الوحدات المتجولة. 

٢- التجاوز في  الأرشفة الإلكترونية للمستندات الصحيحة لمقدم الطلب وشهوده، وتتم أحياناً أرشفة مستندات لا علاقة لها بمقدم الطلب أو شهوده. وهذا ما لم يكن يحدث في  الأرشفة الورقية في  نظام الجنسية. 

٣- حصول عدد كبير من الأشخاص على الرقم الوطني دون استيفاء الإجراءات أو  الخطوات المطلوبة لذلك، خاصة في  الوحدات المتجولة. 

٤- تجاوز أخذ البصمة لمقدم الطلب، مع العلم بأهمية البصمة كمفتاح تعرف ( identification key) على مقدم الطلب. 

٤- أخطاء كثيرة ومتعددة في   البصمات والصور  الشخصية والمعلومات التي  تخص مقدم الطلب في شهادة القيد المدني.

الجنسية السودانية.. تاريخ طويل من الفكر والعمل

   السودان يملك تاريخاً طويلاً وحافلاً بالعمل والاجتهاد في مجال الجنسية  بالميلاد أو بالتجنس. تاريخ ممتد منذ الاستقلال، والمعروف أن السودان من الدول الرائدة والسباقة في  المنطقتين العربية والأفريقية التي اعتمدت نظام العمل بشهادة الجنسية.  

قانون الجنسية السوداني

 السودان كذلك من أقدم الدول في الإقليم التي لديها قانون جنسية قوي ومتسق مع الدساتير  والمواثيق والاتفاقيات العالمية التي تنظم عمل الجنسية، وتحفظ حقوق المواطنين والمقيمين  على أراضيها، وقانون الجنسية الساري الآن هو قانون الجنسية السوداني  للعام ١٩٩٤، والذي  أجري عليه عدد من التعديلات في العقدين الآخرين، حيث تم إجراء تعديل في الأعوام ٢٠٠٥ و ٢٠١١ و ٢٠١٨ بعد انفصال جنوب السودان.

مشكلات طفت على السطح بعد إلغاء الحصول على الجنسية السودانية 

عند إلغاء العمل بشهادة الجنسية في العام ٢٠١٤ بواسطة الإدارة العامة للسجل المدني، فيما يعرف بالأمر ١٤، ظهرت على السطح العديد من المشكلات التي صاحبت منح الرقم الوطني لطالبيه، ويعود ذلك لأسباب تتعلق  بغياب شهادة الجنسية عن المشهد، ولأسباب عديدة أخرى تتعلق بالإجراءات الفنية والتقنية والتحري الورقي والإلكتروني لاستخراج الرقم الوطني. ويمكن إيجازها في الآتي:

أولاً: الأسباب المتعلقة باستخراج الرقم الوطني 

١- عدم جاهزية الكادر البشري في ذلك الوقت للعمل التقني المطلوب لاستخراج شهادة القيد المدني، وذلك لحداثة التجربة لدى الضباط والأفراد، وعدم تلقيهم التدريب الكافي، مما تسبب في كثير من الأخطاء الكارثية.

٢ – الضعف الشديد في التأمين التقني للوحدات المتجولة التي تم توزيعها لجميع ولايات السودان وفي كل المناطق الطرفية والحدودية، حيث كان من السهل تجاوز ال ( user name , password).

٣ – صعوبة الرقابة على الأتيام العاملة، التي انتشرت في كل محليات السودان، لعدم توفر الكادر البشري  الكافي (الجنايات + الشرطة الأمنية).

 ٤-  ضعف الرقابة المركزية لرئاسة الإدارة العامة للسجل المدني ولمديري السجل المدني بالولايات، أو مديري الأقسام بالنسبة للوحدات المتجولة. 

٥- ضعف تأمين الإجراءات والخطوات الفنية المطلوبة لاستخراج شهادة القيد المدني، حيث كان من السهولة  الانتقال من مرحلة إلى المرحلة التي تليها (بصمة، أرشفة مستندات، تصوير، تحري ثم التصديق النهائي) دون استيفاء مطلوبات المرحلة، حيث وجدت أعداد ضخمة من الأرقام الوطنية لا تحمل بصمة أو مستندات مؤرشفة، أو صورة لمقدم الطلب، ومع ذلك تم التصديق لها. (ما ورد سابقاً شكل عيوباً لم يكن من السهل تداركها ومعالجتها، وما زالت تشكل هاجساً كبيراً في صحة كثير من الأرقام الوطنية). 

ثانياً: أسباب تتعلق بغياب شهادة الجنسية عن المشهد

تكليف ضباط السجل المدني بالتحري المباشر مع مقدم الطلب وشهوده، بدلاً عن إحضار شهادة الجنسية، شكل عبئاً إضافياً على هؤلاء الضباط وعلى الأفراد. وكان من الأفضل والضروري أن يتم إنشاء إدارة خاصة بالرقم الوطني، لإكمال الاجراءات الفنية المتعلقة باستخراج الرقم الوطني، وإدارة  منفصلة كذلك لاستخراج لجنسية. وكان يجب ألا يتم إنشاء إدارة الرقم الوطني خصماً على إدارة الجنسية من حيث الأصول الموجودة من المباني والقوة البشرية والمادية واللوجستية، لأن ذلك شكل عبئاً كبيراً على إمكانات الإدارة.

حق السوداني في  الحصول على شهادة الجنسية 

 المادة (١/٦) من قانون الجنسية الحالي تنص على:

(يمنح الوزير شهادة الجنسية لأي سوداني متى ما تقدم بطلب بذلك).

  هذه المادة أعطت السوداني حق المطالبة بمنحه شهادة الجنسية، وأوجبت على الوزير منحه إياها، هذا النص من القانون يجعل شهادة الجنسية حقاً لكل مواطن متى ما طالب بها، وبالتالي   يكون من الواجب أن يسري العمل بشهادة الجنسية، ولا يجوز إلغاؤها إلا بتعديل القانون نفسه في البرلمان. 

ماذا سيحدث إذا تقدم مواطن سوداني لمنحه الجنسية وفق هذه المادة من القانون؟

التوصيات والحلول

١- إنشاء دائرة خاصة بالجنسية، وإدراجها في هيكل الإدارة العامة للسجل المدني.

٢- تعديل اسم الإدارة العامة للسجل المدني، ليصبح الإدارة العامة للسجل المدني والجنسية. 

٣- إنشاء أو فصل مبانٍ وقوات  خاصة بإدارات الجنسية في الولايات ومكاتب الخدمة لاستخراج الجنسية، وتوفير الإمكانات اللازمة لها.

٤- ربط نظام الجنسية والرقم الوطني إلكترونياً، على أن يمنح مقدم الطلب رقم الجنسية الإلكتروني بعد إكمال إجراءاتها، لتقديمه لإدارة الرقم الوطني، ولا يشترط استخراج شهادة جنسية ورقية في ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم.

٦- إلزام أي مواطن بالحصول على الجنسية كشرط للحصول على الرقم الوطني.

٧ – تكوين لجان لمراجعة الهوية. 

ختاماً:

  بعد الخلاص من هذا العدو الغاشم بمشيئة الله، واستقرار الدولة، علينا أن ننتبه إلى ضرورة مراجعة الهوية، والتأكد من سلامة الحصول عليها، وذلك يستحق كثيراً من العناء والاجتهاد والبذل، لأنها خط الدفاع الأول عن الأمن القومي السوداني، بل وتعد حائط الصد الأساسي لوجود الدولة السودانية، والمحافظة على حضارتها وهويتها.

والله الموفق.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *