شخبطات عتيقة : حب من أول مطرة

144
النيل
Picture of منال بشير عباس

منال بشير عباس

• كلما أحتشد القلب بالذكريات العذبة ، احتشاد النيل بموجه الدفاق ،  لمعت ( بونا ) علي سطح الذاكرة ،  قاصية و دانية ، كصارية مركب بعيد ، شد الرحال من المنابع البعيدة للحنين ، وصولآ إلي مصبات الحاضر المنساب نحو الأزل . 

و تهمي أمطار ( المونسون ) هادرة ، تريق دم الحبر الأزرق ، علي شرفات الدفاتر المسكونة بحروف الحكايات و القصص العجيبة ، عن أرض يتردد رجع  أجراس معابدها و كنائسها في ذات الفضاء الذي يحتضن آذان و تلاوة مساجدها. بلاد يصنع أهلها من كل مناسبة و ذكري دعوة للفرح و الإحتفال بالرقص و الألوان و الأضواء . 

بلاد قهرت فقرها بالعلم و تعدادها السكاني الضخم بالعمل و الإنتاج و الإبداع و الابتكار ووضعت الدستور الأطول في العالم صونا لديموقراطية ما زالت تعض عليها بالنواجز و تتعلم من ممارستها كل يوم الآف الدروس رغم ما يشوب الممارسة من أخطاء . 

و إذا كان القلب يعشق من أول نظرة  أو أول بسمة ، فهذه المدينة الفاتنة ستوقعك في حبها من أول مطرة و موسم الامطار – غالبا – كان هو الموسم الذي يتزامن مع وصول افواج الطلاب الجدد الذين تم قبولهم بجامعة (بونا) و كلياتها المختلفة . 

و موسم الأمطار في (بونا) هو موسم البهجة و الاحتفال بالحياة . و قد كان الدعاش الذي يسبق هطول الأمطار ، بمثابة الذكري التي تعيد للروح عطر الوطن البعيد . 

هذه الأمطار ، غسلت خطواتنا الاولي بأرض طاغور المغني و نحن نسير علي أطراف الدهشة ، نغادر محطات الوطن و الاهل و الحنان لنقف علي عتبات تجارب جديدة و محطات جديدة و قطارات ستعبر بنا حيث تتشكل شخصياتنا و تتنوع تجاربنا و تتفتح بصائرنا علي عوالم مثيرة و غنية بالتجارب الذاتية ، الثرة. 

و لقد كانت للمدينة ملامح و رائحة الأمهات الجميلات . الامهات اللواتي حين تدخل بيوتهن ، يغمرنك بالعناق فتغرق في بحر عطورهن المخلوط بالحناء و الصندل و التوابل و المسك و العنبر . الأمهات اللواتي تتناول من ايديهن أطيب الاطعمة و أشهاها ، يخلطنها بأسرار محبتهن التي تجعل للطعام مذاق لا يشبهه الا مذاقهن الممزوج بحليب ابتساماتهن و بنفسج قلوبهن . 

كانت ( بونا ) بملامحها الشرقية و أزيائها الملونة البهية ، و أمطارها الخريفية السخية ، أم و حبيبة تطلع من كل قلب و كل عين مسكونة بالجمال . فيها أعدنا إكتشاف ذواتنا و خبرنا معادن الناس ، و تعلمنا  دروس الحياة الصغيرة ، الكبيرة ، ممن أساء و ممن احسن الينا علي السواء . 

كبرنا بتجاربنا و معرفتنا و عدنا بكنز من العلاقات الانسانية و الشخصيات التي أثرت حياتنا و لونت فصولها بكل الالوان و منحتنا حلل من البريق و الألق الذي لا ينطفئ علي مر الأيام . 

منحتنا  ( بونا ) عمق المعرفة و عصا العلم التي ما زلنا نتوكأ عليها في دروب الحياة الوعرة فتسهل علينا صعابها و تتفتح لنا كما الوردة دروبها و لها ممتنون .  

و ل ( بونا) الجميلة سنظل نغني (رشقتني عيونها و أسرتني فنونها و بقيت مجنونها من اول مطرة).

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *