د. طارق عشيري
أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية في الجامعات السودانية
• ما مرّ به السودان من محن خلال حرب الكرامة؛ حيث وصفت بأبشع حرب في القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة من انتهاكات لحقوق الإنسان والإنسانية، لكن هذه الحرب عززت من عزيمة أهل السودان، فلقد جعلت الحرب (إنسان السودان) بمختلف الشرائح أكثر صلابة وأكثر قوة، رغم أننا شعب عاطفي تهزه المشاعر، إلا أن عزيمتنا كانت فوق الاحتمال. لقد نجحنا في (اجتياز امتحان الحرب بدرجة عالية) وإيمان راسخ.
ما تعرضت له قرى الجزيرة من قتل جماعي فاق الوصف وهول المنظر، وبشاعة ما حدث في الفاشر على مرأى من قنوات وتلفزيونات العالم، دون حراك لنجدتنا. في زمنٍ تتقاذفه الأزمات يظل إنسان السودان شامخاً، رغم الكثير منهم يقف على حافة اليأس، لكن (ينهض أبناء السودان) بعزيمةٍ لا تعرف الانكسار. فالإرادة السودانية وُلدت من رحم المعاناة، وتشبّعت بالصبر والإيمان، حتى صارت (قادرة على قهر المستحيل).
ليست الحرب ولا الفقد ولا الخراب قادرة على كسر روحٍ تعرف طريقها نحو المجد. (فكل جرحٍ يصبح دافعًا)، وكل (دمعةٍ تُنبت أملاً جديدًا في أرضٍ لا تموت). نحن شعبٌ إذا سقط نهض، وإذا أُنهك تجدد، (لأن عزيمتنا لا تُشترى، وإيماننا بالوطن لا يُكسر).
سنقهر المستحيل كما قهر أجدادنا قسوة الصحراء ونيران الاستعمار، و(سنكتب من جديد حكاية السودان) الذي لا يُهزم.
في خضمّ تلك المحن وتحت ركام الألم (تظلّ العزيمة السودانية مشتعلة كجمرةٍ لا تنطفئ). فمنذ فجر التاريخ، وُلد هذا الشعب على صلابة الأرض وصبر النيل، وتربّى على مواجهة الصعاب لا الهروب منها. فحين يظنّ الآخرون أنّ الطريق انتهى، يبدأ السوداني في شقّ دربه بإصرارٍ وإيمانٍ لا يلين (لشعب فطرته مشبعة باليقين).
لقد مرّ السودان بظروفٍ تهزّ الجبال، وحروبٍ تُضعف الأوطان، لكنّه ظلّ واقفًا، لأن في قلب كل سوداني شعلة لا تنطفئ، تقول: لن نهزم، ما دامت فينا حياة. نحن أبناء وطنٍ لا يعرف المستحيل، لأن المستحيل أمام إرادتنا مجرد عثرةٍ في طريق طويل من المجد.
عزيمتنا ليست كلماتٍ نرددها، بل واقع نعيشه. في ميادين البناء، في مخيمات النزوح، في وجوه الأمهات الصابرات، وفي سواعد الشباب الذين يزرعون الأمل رغم الدمار. تلك هي ملامح السودان الجديد، الذي يخرج من رماد الحرب أكثر قوةً ونقاءً.
في عالمٍ اليوم الذي تتساقط فيه الدول تحت وطأة الأزمات،(يقف السودان شامخًا رغم الجراح)، لأن العزيمة السودانية وُلدت لتقهر المستحيل (نحن شعبٌ يعرف كيف يحوّل الألم إلى طاقة)، (والانكسار إلى نهوضٍ جديد)، فلا عاصفة قادرة على إطفاء جذوة الإيمان في صدورنا.
لقد (اختُبرنا في أقسى الظروف)، من الحروب التي أحرقت القلوب إلى الأزمات التي أنهكت البلاد، لكننا لم نفقد الأمل يومًا. من بين الركام، ينبعث صوت الوطن منادياً أبناءه: (لا تنكسروا، فأنتم جذور هذا التراب). حينها تتوحد القلوب، وتتعانق السواعد، ويبدأ البناء من جديد، لأننا ببساطة نؤمن أن العزيمة تصنع المعجزات.
(عزيمتنا ليست شعارًا يُقال في المناسبات)، بل هي نهج حياةٍ نعيشه كل يوم. نراها في وجوه الأمهات الصابرات، في أيدي الشباب الذي يصارع الحياة ويصنع المستحيل التي تزرع رغم الدمار، في (ابتسامة الأطفال اليتامى) التي تتحدى الحزن، وفي(كلمات الشيوخ وأئمة المساجد) وفي حاملي السلاح من مختلف القوات المسلحة، والذين يؤمنون أن الغد سيكون أجمل. هذه هي روح السودان، التي لا تموت مهما اشتد الظلام.
لقد علّمتنا التجارب أن المستحيل ليس سوى فكرة في عقول الضعفاء، أما نحن، فالإصرار فينا فطرة، والصبر في دمنا، والحلم بالسودان الآمن المستقر هدفٌ لا نحيد عنه. سنعيد بناء ما تهدّم، وسنزرع الحياة في كل أرضٍ جفّت، وسنثبت للعالم أن السودان لا يُهزم، لأنه ببساطة… وطن العزيمة التي تقهر المستحيل.
سيكتب التاريخ أن شعب السودان واجه أعتى العواصف، ولم ينحنِ. وأنه أعاد بناء وطنه بالإرادة والإيمان، لا بالمساعدات ولا بالوعود. فالسودان الذي نعرفه، لا يُهزم لأنه ببساطة… عزيمته تقهر المستحيل. وسودان ما بعد الحرب أقوى وأجمل.
شارك المقال
