سكان السودان القدماء ولغاتهم (3)

9
pic0000
Picture of  د. أحمد الياس حسين

د. أحمد الياس حسين

ahmed.elyas@gmail com

• تناول الموضوع السابق سكان افريقيا، وسيتناول هذا الموضوع سكان السودان ودورهم التأسيسي في المنطقة وفي تدجين ورعي البقر. كما سيتم تناول نتائج بعض الفحوصات الجينية على بعض السكان القدماء والحاليين. 

الجغرافيا ومساهمات السكان القدماء

ساهمت المنطقة الواقعة بين البحر الأحمر وحوض بحيرة تشاد بدور بارز في التاريخ الجيني البشري والحضارة العالمية. فقد تمتعت هذه المنطقة بالظروف البيئية والمناخية المناسبة للحياة البشرية. ويرى الباحثون في علم الآثار وعلم الوراثة وعلم الإحاثة Palaeontology  (علم أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة كما تمثلها المتحجرات النباتية والحيوانية) أن هذه المنطقة ربما كانت هي المنطقة التي شهدت نشأة الانسان المبكرة. كما اتضح من نتائج الدراسات الجينية أن الموقع الجيني لسكان هذه المنطقة يأتي في جذر شجرة التطور البشري، وأن انتشار البشر ربما حدث من مكون صغير في مكان ما فيها.  (Seielstand, p 1; Elhassan, et at. Gebremeskel and Muntaser E Ibrahim)  

ووجود السودان في هذه المنطقة المتميزة في شرق افريقيا هيأه للمساهمة بدور طليعي في التاريخ الجيني البشري وفي الحضارة العالمية. فقد شكلت هذه المنطقة سكان السودان القدماء، كما شكلت سكان المناطق المجاورة للسودان شرقاً وغرباً، وشكل كل ذلك أسلاف البشر الحاليين. (منتصر الطيب ص 7) فأسلاف  سكان السودان قد تكونوا – في حدود السودان الحالية – منذ بداية ظهور الإنسان على الأرض. وتشير الدلائل على أن السودان كان طريقاً لهجرة السكان من الجنوب للشمال منذ نحو 60 – 50 ألف سنة مضت. (Mallinson, Michael, et al 2015, p 312) ولذلك فإن سكان السودان الحاليون ينتسبون إلى أقدم السلالات البشرية.

يرى المؤرخون أن أقدم موجة سكانية كونت سكان الصحراء الكبرى في عصر ما قبل التاريخ ربما خرجت من ضفاف النيل في منطقتي الخرطوم والشهناب الحالية وتحركت غرباً حتى كمطقة جنوب ليبيا الحالية، وربما كان خروج تلك الموجة السكانية كان من المناطق الواقعة على النيل إلى الجنوب من الخرطوم حيث تعود السكان قد على الحياة في بيئة السافنا. (Yeltyinen, p 21) وفي كلا الحالتين يتضح الدور البارز للعلاقات المبكرة بين النيل والمناطق المجاورة له والتي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ.   

وبعد توفرت المياه بتغير المناخ في مناطق شرق وغرب نهر النيل من جفاف إلى رطوبة منذ بداية عصر الهلوسين أصبحت مناطق الصحراء الحالية مأهولة بالسكان نحو الألف الثامن قبل الميلاد.  وتطورت أساليب الحياة باستئناس الحيوان منذ الألف 8 ق م وازدهرت الحياة على طول المناطق الواقعة غرب وشرق النيل.  (Rilly 2009; (Hugot, 1992, p 596; Faure, p 364; Samkange, 37; p 23, Dimmendaal, 46)

وكما تم تناوله فيما سبق في موضوع «النهر والصحراء 1» فإن المناطق الواقعة إلى الغرب من النيل كانت في عصري الهلوسين المبكر والأوسط (8000 – 5500 ق م) مناطق واسعة وغنية بمصادر المياه من أمطار وأنهار وبحيرات، وغنية بمصادر الثروات النباتية والحيوانية وكانت أكثر وأغزر كثافة سكانية من النيل. فعلى سبيل المثال تمكنت البعثات الكشفية في وادي هور في مواسم 1995 – 2006 من اكتشاف عدد 2400 موقع أثري، ولا تزال مساحات كبيرة في الوادي لم تنقب بعد. وقد تم العثور على طول 12كيلومتر على 860 موقع مما يوضح الكثافة السكانية على الوادي الذي أطلق عليه الآثاريون اسم النيل الأصفر. وقد ظل الاستيطان مستمراً عليه حتى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد ((Keding 2000, p 92, 94 – 95; Jesse et al, 2004

 ولم يكن عصر الهلوسين كله رطباً بل تخللته فترات جفاف ثم رطوبة، وكانت تلك الفترات تمتد لقرون كثيرة. ففي فترات الرطوبة يتحرك الكثير من سكان النيل غرباً ويستقروا ويصبحوا جزءاً من التكوين السكاني، وعندما تتعرض المناطق للجفاف يتحرك بعض السكان شرقا نحو النيل ويستقروا ويصبحوا جزءاً من التكوين السكاني للمنطقة. 

وهكذا ظل التواصل عبر القرون بين سكان النيل والمناطق الواقعة إلى الشرق والغرب منه، ذلك التفاعل الطبيعي بين المناطق الرطبة والجافة. وقد ورد فيما سبق (النهر والصحراء 2) مثال لتواصل الثقافات المبكرة في الألف الخامس قبل الميلاد والذي يمثل تطورا واضحا في الثقافات السودانية المبكرة بين منطقة القاش شرقاً وصحراء غرب النيل ووادي هور شرقاً.  وقد أوضحت كرملا جتو (Getto, 2002) أ ثراء تلك الثقافات من خلال تنوع صناعاتها الفخارية والسمات المشتركة بينها مما يشير إلى الأعداد الكبيرة لسكان المستوطنات وتطور أنماط غذائها ونظمها الاجتماعية.

وقام الباحثون الألمان بجهود كبيرة في دراسة أولئك السكان المبكرين لوادي هور والمناطق المجاورة له نتناول بعض نتائجها كمثال للصلات السكانية. فقد تم جمع عينات لبقايا بعض الهياكل البشرية من مناطق وادي هور وشماله ومن مناطق جنوب الصحراء ومناطق النيل بين الخرطوم وشمال حلفا. 

وتمت دراسة تلك الهياكل ومقارنتها ببعضها الآخر، ثم مقارنتها ببعض الهياكل البشرية الحديثة من السودان وجنوب الصحراء والصومال وتنزانيا ومالي. وقد تناول إرك بِكر Becker   Erik نتائج دراسة تلك العينات في كتابه القيم «سكان وادي هور في عصر ما قبل التاريخ (Becker, 2011, p 27 – 31)   نشير إلى بعضها فيما يلي: 

  اتضح أن بقايا الهياكل العظمية لسكان منطقة وادي هور تشبه بقايا الهياكل العظمية لسكان منطقة وادي حلفا وتشبه كذلك عينات السكان الحالية لجنوب الصحراء. كما اتضح أن بقايا الهياكل العظمية القديمة لسكان منطقة ما بين الخرطوم وحلفا وبعض الهياكل العظمية لسكان دولة جنوب السودان تمثل استمرارية بيلوجية لسكان جنوب الصحراء. وتوضح هذه النتائج أن سكان المنطقة الواقعة على نهر النيل في السودان يمثلون استمرارية بيولوجية لسكان جنوب الصحراء الكبرى.  

كما خلص البحث إلى أن كل سكان وادي هور ينتمون إلى Saharo-Nilotic population Complex التي دخلت المنطقة من الشرق والجنوب، إلى جانب دخول بعض العناصر من الغرب، وأن سكان منطقة ما بين النيل وبحيرة تشاد متجانسين ومتداخلين عير العصور. وأدى ازدياد التصحر وجفاف النيل الأصفر إلى تحرك أغلب السكان جنوباً وغرباً، فهم أو مجموعة قريبة منهم ربما كانوا أسلاف لأغلب الرعاة متكلمي اللغة النيلية الصحراوية الحاليين في السودان وتشاد. (Pachur and Kropelin 1987))  

وقد تأثر سكان السودان منذ العصور القديمة بصورة كبيرة بتحركات السكان الداخلية بين النيل والصحراء بسبب التغيرات المناخية. وتواصل سكان السودان القدماء وتفاعلوا عبر العصور مع سكان مناطق جنوب الصحراء وبخاصة المنطقة الواقعة بين بحيرة تشاد والبحر الأحمر. فسكان السودان لم يتعرضوا في تاريخهم القديم لهجرات من خارج القارة كما حدث في شمال وشرق افريقيا. 

فقد رصد الباحثون حدوث هجرات من غرب آسيا وغرب أوربا عرفت بهجرات العودة إلى افريقيا والتي تأثرت بها بعض مناطق شمال افريقيا. وكذلك الهجرات التي دخلت افريقيا في العصور القديمة عبر سيناء أو من البحر المتوسط لم تصل إلى السودان، بل ظل تأثيرها محصوراً في شمال افريقيا. والهجرات العربية القديمة التي دخلت الحبشة لم يصل أثرها أيضاً إلى السودان.  

فالهجرات القديمة من اليمن تأثرت بها اثيوبيا وساحل البحر ألأحمر الجنوبي وسواحل المحيط الهندي حتى أصبحت بعض لغات تلك المناطق تنتمي إلى أسرة اللغات السامية بخلاف اللغات السودانية القديمة في مناطق الشرق التي تطل على البحر الأحمر والتي لا تنتمي إلى اللغة السامية بل تنتمي إلى اللغات الكوشية والسودانية الشمالية الشرقية. فالتركيب السكاني للسودان القديم تأثر بتحركات السكان المحليين وتحركاتهم دخل قارة افريقيا من وقت لآخر بسبب التغيرات المناخية وبخاصة في منطقة الصحراء الكبرى. 

السودان القديم ورعاة البقر (البقارة)

انتهى مع بداية العصر الحجري الحديث عصر الجمع والصيد وبدأ اقتصاد الزراعة والرعي. وكان الرعي هو السمة البارزة لأغلب سكان السودان القديم بحكم توفر المراعي الغنية بالمياه والنبات في المناطق الصحراوية الحالية الممتدة بين البحر الأحمر شرقاً والحدور اللبية التشادية غرباً. وكانت هذه المنطقة منذ بداية عصر الهلوسين في الألف الثامن قبل الميلاد. (Hoffman, p218-219; Holocene Climate p 22) 

ويرى الباحثون أن العلاقة بين الانسان والحيوان في هذه المناطق ترجع إلى بداية عصر الهلوسين  (Iliffe, 1996, p 14; Wendorf, 2009)   

حيث ارتبطت حياة السكان بالبقر ثم تلى ذلك الضاو والماعز ثم تلى ذلك دخول الجمل في وقت متأخر. فقد اتنشر استخدام الجمل في افريقيا مع الغزو الفارسي لمصر في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد. ثم استخدمه الرومان في صراعهم مع الأمازيغ، وانتشر استخدامه في الصحراء الكبرى. 

يرى الباحثون أن صلة سكان النيل في شمال السودان بالبقر بدأت في وقت مبكر. ذهب مالنسون أن تدجين البقر تم في منطقة قريبة من النيل نحو الألف القرن الثامن قبل الميلاد، ةتم تدجينه قي منطقة كرمة في الألف السابع قبل الميلاد Mallinson, et al 2015, p 326)  Midant-Reynes, p 89

لكن أقدم تاريخ للارتباط بالبقر في الصحراء الحالية غرب النيل يرجع إلى مناطق نبتة بلايا وبئر كسيبا والجلف الكبير حيث أوضحت الآثار تدجين البقر في الألف الثامن قبل الميلاد. وقد أوضحت نتائج أبحاث الحمض النووي في المركز العالمي لأبحاث الماشية في افريقيا أن البقر الافريقي دُحن من الثور المحلي قبل دخول cattle من الشرق الأددنى.   (Wendorf and Schild, p 32; Mallenson, 2017; Kuper and Kroplin, p 805; Sadig. 2010, p 62 – 63)  

وكانت للبقر مكانة خاصة عند سكان نبتا بلايا، فكانت عبادة البقر من أسس معتقداتهم، وقد وجدت هياكل البقر في عدد من قبورهم. وربما يعود تقديس سكان نبتة بلايا للبقر إلى ما عرف عن تقديسها في ثقافة قادان في منطقة الشلال الثاني في الألف الثاني عشر قبل الميلاد، ثم تطورت فيما بعد في نبتا بلايا. (Wendorf et al, 1998)

وتوجد دلائل آثارية توضح أن بداية المرحلة الألى من مراحل التوجه نحو تربية البقر في منطقة النيل الأصفر تمت بين 8500- 7500 ق م. وفي منتصف الهلوسين 6700 – 5500 ق م تغير نمط الغذاء من الطعام البحري إلى تربية البقر. ونحو نهاية الألف السادس قبل الميلاد بدأ تغير المناخ نحو الجفاف تدريجيّاً من المناطق الشمالية من الصحراء الكبرى مما أدى إلى تحرك الرعاة شرقاً نحو النيل وجنوبا نحو مناطق مصادر المياه كما في مناطق لقية والنيل الأصفر (وادي هور) (Smith, p 325; Ehert. 56)   

وفي هذه المرحلة ازدادت كثافة السكان من رعاة البقر في النيل الأصفر وظهر الضأن والغنم وانشر رعاة البقر غرباً حتى انحناءة نهر النيجر. (Ehert 56). وقد وجدت آثار الجمل في الرسوم الصخرية في دارفور. فقد ذكر آركل ((Arkell, 282 وجود رسم صخري في جبل ميربو يوضح رجال يقودون قطيع من نوعان من الأبقار، أحدهما بقرون عريضة ودائرية، والنوع الآخر بقرون طويلة ومتجه إلى الأمام نازلة إلى تحت، مثل بقر الجرمانت التي ذكرها هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد.  

وهكذا تم على أيدي السودانيين القدماء تدجين البقر منذ عصور مبكرة كما أوضحت المواد الأثرية في منطقة نبتا بلايا وانتشر رعاة البقر (البقارة) جنوباً حتى شمال دارفور. وأصبحت هذه المنطقة مأهولة بالبقارة، وانتقلوا منها غرباً بين الألفين السادس والخامس قبل الميلاد غرباً حتى انحناءة نهر النيجر. (Ehert 56)    

وظلت هذه المنطقة شمال وجنوب النيل الأصفر مأهولة بالبقارة حتى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد حيث ازدادت حدة الجفاف واخفض مستوى هطول الأمطار وجفت البحيرات فتحرك السكان شرقاً نهو النيل وجوباً وهي الفترة التي انفصلت فيها اللغة السودانية الشمالية الشرقية كما سنتناول ذلك في موضوع لغات السودان القديمة. 

وقد وردت بعض التفاصيل عن تحركات سكان هذه المنطقة وسكان شرق السودان في الفصلين الرابع والخامس من الجزء الأول من كتاب «السودان الوعي بالذات» (أنظر قائمة المراجع. كما تم تناول سكان السودان في المصادر اليونانية والرومانية في الفصل الثاني من الجزء الرابع من كتاب «السودان الوعي بالذات» وسكان السودان في المصادر العربية في الفصلين الثاني والرابع من الجزء الثاني من كتاب «السودان الوعي بالذات» وفي الفصل الثالث من الجزء الرابع من كتاب «السودان الوعي بالذات»

نتائج فحص الحمض النووي لبعض سكان السودان

للتعرف على سكان السودان تم جمع بعض عينات قديمة من الحمص النووي  Y-Chromosome  (aDNA)  وجمعت 445 عينات حديثة من الحمص النووي Y-Chromosome DNA وعدد 404 عينات من  mtDNA.

نتائج فحص العينات القديمة

 تم جمع بعض عينات عظام قديمة من الحمص النووي  Y-Chromosome  (aDNA) من بعض المقابر القديمة ومن المتحف القومي ترجع إلى العصر الحجري الحديث والفترة المروية وفترة ما بعد مروي والفترة المسيحية. وتم بنجاح فحص 34 عينة 19 إناث و14 ذكور. ظهرت السلالتان A-M13 و F-M39 في العينات. وُجِدت السلالة A-M13 بترددات عالية في عينات فترة العصر الحجري الحديث، بينما كانت السلالة F-M39 أكثر وجوداً في الفترات المروية وما بعد المروية والمسيحية. Hisham and Muntaser , (2007-09)

توضح نتائج عينات الـ aDNA التي تم تحليلها انتماء السودانيين إلى السلالات البشرية المبكرة التي عمرت قارة افريقيا والعالم. فالسلالة A-M13 تنحدر من السلالة A وهي السلالة الأقدم في العالم. والسلالة F-M39 تفرعت أيضاً من السلالة A في عصور لا حفة.  والسلالة F هي السلالة الأب لكل السلالات الجينية المنحدرة من السلالة G عبر السلالة T. وترجع جذور نحو 90% من سكان العالم إلى فروع هذه السلالة. والسلالة (F) في الأساس هاجرت من افريقيا في عصر الهجرة المبكرة (out of Africa) او تأسست في فترة وجيزة فيما بعد لأنها – بفروعها – تتواجد بصورة رئيسة خارج افريقيا بينما توجد بصورة قليلة في افريقيا جنوب الصحراء وفي البرتغال. (Athey, 2017, 2005)  

وبالطبع فإن هذه التحاليل لا تعطي إجابات قاطعة لانتماءات السكان بل تظل مؤشرات تعكس بعض الحقائق عن أصول السكان حتى تتكامل عمليات التحليل. وتم تحليل العينات القديمة (19 عينة) aDNA

نتائج فحص العينات الحديثة

وتم فحص عينات حديثة Y-Chromosome لعدد 445 ذكور غير أقارب، وتحليل عينات mtDNA لعدد 404 إناث غير أقارب. جمعت كل هذه العينات من 14 مجموعة من مواقع مختلفة من شرق وغرب وشمال ووسط وجنوب السودان في العصر الحالي يتحدثون ثلاث أسر لغوية مختلفة هي: الافريقية/الآسيوية والنيلية/الصحراوية والنيجر/كردفانية جاءت نتائج التحليل كما في  (Hisham et. al. 2008; Hisham and Muntaser, 2009-2007)   كما يلي:

أوضحت نتائج تحليل عينات الذكور Y-Chromosome أنهم ينتمون إلى ثمانية مجموعات سكانية (سلالات) هي: A, B, E, F, R, J, K and I,  

وقد تناولنا في الموضوع السابق (رقم 4) سكان افريقيا، وعَرَّفنا بعشرة من السلالات المنتشرة في افريقيا وهي: A, B, E, R, J, F, K, T, G and I, وقد وُجِدت ثمانية من هذه السلالات في عينات Y-Chromosome السودانية التي تم تحليلها وهي: A. B, E, R, J, F, K and I  ويشير ذلك إلى أن نسبة السلالات الافريقية في جينات السودانيين بلغت نحو 88.9%.  

كما أوضحت نتائج التحاليل – كما في الجدول رقم (1) أن المُكَوّن الافريقي (الجينات الافريقية A, B, E) في العينات (445) التي تم تحليلها من مناطق مختلفة من السودان أن يمثل فيهم نسبة 59.1% من مجمل السلالات السودانية، باعتبار أن السلالة E سلالة نشأت في افريقيا ثم انتشرت في باقي القارات، ويمثل المكون العربي نسبة 22.5%  من مجمل السلالات السودانية، وتمثل باقي المكونات نسبة 18.3% من مجمل السلالات السودانية.

 وعندما نقول أن هذا الشخص تدخل في مكوناته السلالية جينات افريقية أصيلة، لا يعني ذلك أنه افريقي نقي لا  يوجد مكون أخر في جيناته، إذ لا يوجد شخص ينفرد تكوينه السلالي بسلالة واحدة. وكما يتضح من الجدول رقم (2) فإن متوسط التكوين الجيني للقبائل السودانية يتراوح بين 3 إلى 8 مكون. فالفرد من البجة الذي تم تحليل عينته يدخل الجين الافريقي الأصيل A في تكوين سلالته، وإلى جانب A يدخل في تكوينه السلالي E, J and R. والفرد الجعلي الذي تم تحليل عينته يدخل الجين الافريقي الأصيل A في تكوين سلالته، وإلى جانب A  يدخل في تكوينه السلالي E, F, I, J, k and R (أنظر الجدول رقم 2)   

فصلات السودانيين الجينية ليست مرتبكة فقط بالشعب الافريقي، بل يرتبط السودانيون بصلات القربى مع كل شعوب العالم. (راجع من هم منتسبو السلالات  (R, F, I and K

ويلاحظ أن كل السودانيين الذين تم تحليل عيناتهم تحمل جيناتهم السلالة E، فالسلالة E هي السلالة – أو يمكن أن نطلق عليها القبيلة E – التي ينتمي إليها كل السودانيين  (100%) الذين تم تحليل عيناتهم، فهي قبيلة كل السودانيين. وتضم هذه السلالة (E) بفروعها E1, E2, E3, E3b1, E3ak, E3bk نحو 34.4% من سكان السودان. (Hisham and Muntaser, 2009-2007)  

وأغلب التنوع السلالي في افريقيا يوجد في السلالة E التي يبدو أنها ظهرت بين 32 -21 ألف سنة مضت في مكان ما بين البحر الأحمر وبحيرة تشاد. وينتشر منتسبو السلالة E بصورة واسعة في قارة افريقيا بين المزارعين والرعاة، وبين متحدثي اللغات الافريقية الرئيسة الثلاث النيلية/الصحراوية والافريقية/الآسيوية والنيجر/كردفانية. . Gebremeskel and Muntaser E Ibrahim). (Hisham and Muntaser, 2009-2007) كما يوجد منتسبي السلالة E بين شعوب كل من غرب وجنوب آسيا وجنوب شرقها أوربا والشرق الأدنى وغرب آسيا. (www.isogg.org; Chiaroni et. al.)  

ويرى Cruciani أن السلالة  E-M78المتفرعة من السلالة E نشأت في الأصل في منطقة مصر وليبيا نحو 16,8 سنة مضت، بينما يقترح Battaglia بناءً على أدلة أثرية أن أصلها منطقة حدود السودان ومصر الحالية حتى بداية العصر الرطب نحو 8500 ق م . (Cruciani et. al. 2007)   فقبيلة السودانيين E تتصل بصلة القرابة مع سكان افريقيا وأوربا وغرب آسيا.

وتلي السلالة E في التكوين السلالي للسكان – كما في الجدول رقم 2  -السلالة )أو القبيلة (R المنتشرة بصورة واسعة في قارة أوربا ووسط وشمال وغرب آسيا، وينتسب إليها 75% ممن حُللت عيناتهم، ثم السلالة العربية  J1وينتمي إليها 66.6% ثم السلالة الافريقية الأصيلة A وينتمي إليها 58.3% ثم السلالة الافريقية الأصيلة B وينتمي إليها 50% ثم السلالتان F و J2المنتشرتان في أواسط وجنوب آسيا وجنوب شرقها، وينتمي لكل منهما 33.3% ثم السلالة I وينتمي إليها 25% والسلالة k وينتمي إليها 16.6% وهاتان السلالتان ينتشران في عدد من الأماكن حول العالم. فالسلالات R  و F و J2 و I و kتربط السودانيين بمنتسبي هذه السلالات حول العالم. 

ويشير هذا التنوع السلالي الغزير للسودانيين عدم وجود النقاء العرقي أو القبيلة غير المختلطة.  والجدول رقم 2 يوضح بعضاً من هذا التنوع. 

فأعلى نسبة في التنوع السلالي في الجدول نجدها عند الجعليين – والجعليون هنا قد يمثاون المجموعة الجعلية – إذ تتكون جيناتهم من 8 سلالات، منها سلالتان افريقيتان هما: A, E وواحدة عربية  J1 و5 سلالات أخرى هي: R. F, J2, I and K. 

ويلي الجعليون في التنوع السلالي نوبة الشمال، تتكون جيناتهم من 7 سلالات منها سلالتان افريقيتان هما: B, E وسلالة عربية هي: J1و تلاث سلالات أخرى هي: R. F, J2, I.

الأقباط وتتكون جيناتهم من 6 سلالات منها سلالتان افريقيتان هما: B, E  والسلالة العربية J1 و ثلاث سلالات هي: J2, K, R 

البجة 5 سلالات منها سلالتان افريقيتان هما: A, E والسلالة العربية J1 والسلالتان J2 R, ثم  المسيرية 5 سلالات واحدة افريقية وهي E والسلالة العربية J1 وثلاث سلالات أخرى هي: R. F, I 

العركيين 4 سلالات واحدة افريقية هي E وواحدة عربية وهي J1 والسلالتان R. F . 

الفور والمساليت يشتركان في 4 سلالات ثلاثة منها 3 افريقية هي: A, B, E وواحدة عربية هي: J1.   

 كما اتضح من التحليل أن الانتماء للسلالات A, B, E وُجِد منتشراً بدرجة أكبر بين متحدثي اللغات النيلية الصحراوية ويضمون الفور والبرقو والمساليت ونوبة الشمال والنيليون في دولة جنوب السودان، في حين أن الانتماء للسلالات F, I, J, K and R وجد منشراً اكثر بين متحدثي اللغات الافريقية/الآسيوية ويضمون: البجة والهوسا والأقباط والعرب، كما يضمون الفلاني متحدثي اللغة النيجر/كردفانية. 

نتائج فحص العينات الحديثة mtDNA 

أوضحت نتائج تحليل عينات (404) mtDNA كما في (Hisham, 2009, p 93) أن كل أصحاب هذه العينات ينتمون  إلى ثمانية  سلالات جينية هي: L0, L1, L2, L4, L5, L3A, M and N، وهي السلالات المعروفة باسم «السلالات الكبرى الافريقية جنوب صحراوية والأوربية الآسيوية Eurasian وهذه السلالات من L0 إلى L6 ينحصر وجودهما في افريقيا دنوب الصحراء، وأغلبها يتواجد في منطقة شرق افريقيا. والسلالتان M و N المنحدرتان من mtDNA ذواتا الأصول الافريقية تمثلان السلف الأعلى لكل سلالات mtDNA الأخرى غير الافريقية. (Gonder et. al. p 757) والسلالة mtDNA L0 – مثل السلالة Y-Chromosome A – تمثل أقدم السلالات البشرية. فظهور خهذه السلالة (L0) في عينات السودانيين توضح أن موقع منتسبيها في  قاعدة شجرة السلالات البشرية. (2007-2009 (Hisham and Muntaser،  

وبلغت نسب تردد سلالات mtDNA في العينات المحللة كالآتي: 

نسبة سلالات شرق افريقية بين السودانيين تساوي 35.6% و

نسبة سلالات غرب ووسط افريقية بين السودانيين تساوي 49% 

نسبة سلالات شمال افريقية بين السودانيين تساوي 5.5% 

نسبة سلالات جنوب افريقية بين السودانيين 1.2% 

نسبة السلالات الأوربية/الآسيوية بين السودانيين تساوي 8.7%. 

بلغت نسبة تردد سلالات افريقيا جنوب الصحراء بين السودانيين العرب (الجعليين والمسيرية والعركيين) 88.9% 

نسبة السلالات الأوربية الآسيوية بينهم 11.1% ولا توجد بينهم أثر لسلالات شمال افريقية. 

يلاحظ أن نسبة متحدثي اللغات الآسيوية/الافريقية أكثر انتشاراً في هذه السلالات من متحدثي اللغات النيلية/الصحراوية.  (Hisham, 2009, p 93) 

وفي تحليل آخر لعدد 102 عينة mtDNA من السودان أظهرت النتيجة أن 72.5% منها تنتمي للمجموعات السكانية في افريقيا جنوب الصحراء. (Alfonso C et. al) يلاحظ في الجدول رقم (3)  النسبة العالية في السلالات الافريقية الجنوب صحراوية من السلالة L0 وحتى السلالة L3Aبالمقارنة إلى السلالتين M و Nاللتان تبلغ نسبتهما 12.4% فقط.

فسكان السودان الذين نصنفهم محلياً بأنهم عرب (مثل الجعليين والمسيرية) ونوبة النيل في الشمال (كما في الجدول رقم ..) يشتركون في جيناتهم الوراثية مع الغالبية العظمى من سكان افريقيا (السلالة E) ويشتركون في جيناتهم الوراثية مع شعوب وسط وغرب آسيا وأروبا في السلالة R، ويشتركون في جيناتهم الوراثية مع شعوب جنوب وجنوب شرق آسيا في السلالة F، ويشتركون في جيناتهم الوراثية مع شعوب أوربا في السلالة.

وأخيراً يبدو بوضوح أن صلات سكان السودان الجينية (صلة القربى) لا تقتصر فقط على الشعوب الافريقية بل تمتد صلة القرابة إلى شعوب القارتين الأوربية والآسيوية. فعلى سبيل المثال عندما يجد السوداني الجينات I, K, R الموجودة عند الشعوب الأوربية في جيناته لا يعني ذلك أن أصوله أوربية، أو عندما يجد المسيري أو العركي أو الجعلي أنه يشترك مع الاثيوبي أو الفلاني في الجين E أو Rلا يعني ذلك أن أصوله اثيوبية أو فلانية بل يعني ذلك أنه ينتمي بصلة القرابة الجينية لهما، أو أنهما ينتميان بصلة القرابة له. 

 

شارك الدراسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *