م. معتصم تاج السر
كاتب صحفي
• في الحياة هناك أرواح ليست مجرد عابرين …!
أرواحٌ تدخل قلوبنا كما يدخل الضوء من نافذةٍ صغيرة في غرفةٍ معتمة بلا استئذان وبلا ضجيج، لكنها تغيّر كل شيء.
هناك أشخاصٌ يُكتب لهم أن يكونوا بلسم الأيام وسرّ الطمأنينة ودفءَ العلاقات وزينة الدروب التي نمشيها.
أشخاصٌ حين يقتربون نحس أننا نعرفهم منذ سنيين ولو عرفناهم منذ لحظات…!
وحين يرحلون ندرك فجأة أنهم كانوا أعمدةً تستند إليها أرواحنا ونحن لا نشعر.
ومن بين هؤلاء… كانت دكتورة آلاء.
امرأة من نور ، تمشي بين الناس كهمسة رحمة وتترك في القلب أثراً يشبه عبق الزهر حين يتسلل من شرفة صباحٍ لا يُنسى.
لم يكن رحيل الدكتورة آلاء منصور أبوسن مجرد غيابٍ لجسد ، بل كان ذبولاً لزهرةٍ ظلت تفوح عطراً في حياة كل من مر بها.
رحلت بهدوء يشبه نسائم الفجر وتركت خلفها عبيراً لا يزول وحضوراً يزداد رسوخاً كلما حاول القلب أن يصدق أنها لم تعد بيننا.
آلاء…
يا امرأةً كان اسمها نفسه نغمةَ طمأنينة وروحها شفيفة كنسيم الفجر كما قال لي زوجها الاخ الحبيب علي مصطفى جبر الله كسرهُ.
كانت إذا تعرفت عليك أحاطتك بمحبتها كما يحيط النسيم بأوراق الشجرة برفقٍ لا يُرى وحنانٍ لا يُنسى وإهتمام يدهش.
كانت تمنحك شعوراً بأن قلبها متكأٌ آمن وأن قربها ظلٌّ يقيك حرَّ الأيام وتقلباتها.
كانت أختاً حين تحتاج أخوّة وأماً حين يرهقك التعب وصديقاً يعرف ما في صدرك قبل أن تتكلم والطبيبة التي نفزع إليها في كل خطب يصيب عزيز لدينا.
كانت أم أحمد تسأل عنك حين ينسى الجميع وتفكر في أمورك أكثر مما تفكر أنت فيها، كأن همّك أمانة، وكأن راحتك جزءٌ من رسالتها.
إن ضاقت عليك الدنيا فتحت لك باباً من أبواب السكينة وإن اختنقتَ صبراً أعطتك من قلبها ما يربط رباط جأشك ويعيد إليك يقينك.
لم تكن مجرد طبيبة كانت شفاءً يمشي بين الناس نياتها دعاء، وحديثها بلسم ودعواتها غطاءٌ من الرحمة لا يشعر به إلا من عرف قربها.
وحين تتحدث عن رسول الله كان صوتها ينساب مثل ماءٍ رقراق يلين حتى تشعر أن قلبها يصلي حباً وأن روحها تتقرب بالبكاء كيف لا وهي العاشقة والمحبة لسيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله أن يجعلها من خواص حضرته الشريفة فهي من أهل المحبة ومن أهل الصلاة عليه «صلوات ربي وسلامه عليه».
ويا أم أحمد …
لم أعتقد أن يأتي يوماً أنعيكِ في عمودي «مداد أخضر» وأنتِ التي كنتِ السبّاقة في الإشادة والمحبة لما أكتب والمرشدة والناقدة بحنو والمنحازة لي في كل حرف ، ولكنها أقدار الله ولا يسعنا الا التسليم والرضا.
كنتِ أول من يسأل عن سبب تأخّر المقال في أي يومٍ أغيب فيه عن نشرهِ عبر الوسائط المختلفة…!
يا لوجع رحيلك …!!!
أي حزنٍ هذا الذي يجعل القلم يرتجف حين يكتب اسمك..!؟
أعجز والله عن نعيكِ…!
كيف أنعي امرأة سبّاقة إلى الخير كريحٍ مرسلة لا تنتظر نداءً ولا شكراً…!؟
كيف أنعي قلباً كان يفيض بالعطاء حتى في أصعب لحظاته..!؟
ما من مبادرة ، ما من حوجة، ما من مكروبة إلا وكانت آلاء أول من يطرق بابها بالخير.
حتى منحتها حركة السودان الأخضر لقب سفيرة العطاء في مارس 2025 لما بذلته وقامت به في مبادرة بنك البذور التي ساهمت في رفع المسغبة عن الألاف من الأسرة النازحة في مختلف مدن السودان.
كانت ترسل مساهماتها وحين أقول لها يا دكتورة دي مساهمة لأي مبادرة من المبادرات؟؟.
تقول بابتسامتها التي تشبه الرضا:»أنا ما بعرف… قسمها بمعرفتك يا معتصم، أهم شيء تصل الناس.»
لقد ربح البيع يا آلاء… ربح البيع.
رحلتِ…!
لكن أثرك لا يرحل.
وسكتِ…!
لكن ذكرك لا يسكت.
وغبتِ…!
لكن نورك باقٍ، يشبه صدى دعواتك التي تقوليها لنا في سركِ.
اللهم اجعل رحيلها رحيل الأزاهر إلى بساتين الخلود.
اللهم ارحمها رحمةً تملأ قبرها نوراً وتحيط روحها سلاماً.
اللهم اجعل البركة في ابنها أحمد وامنحه من حنانها نصيباً ومن نورها دليلاً ومن حكمتها ميراثاً لا يفنى.
اللهم ألهم والديها وزوجها وأهلها ومحبيها واخواتها واخوانها في حركة السودان الأخضر الصبر الجميل واجعل حزننا عليها نوراً يقربنا إليك.
سلامٌ عليكِ في عليّين يا آلاء.
سلامٌ على قلبك الأبيض.
وسيرتك العطرة.
وعطائك الذي صار شاهداً لا يمحوه الزمن.
سلامٌ على روحك التي كانت دواءً للناس وحتى بعد رحيلها ما زالت بلسماً.
والحمد لله رب العالمين.
شارك المقال
