حسن عبدالرضي الشيخ
كاتب صحفي
• شكرًا لأخي العزيز عبد العظيم سيد أحمد، الذي خصّني برسالةٍ رائعة كتبتها أمٌّ رائعة؛ إذ ليس من السهل أن تخطّ أمٌّ مقالًا عن التعليم، فالأم لا تكتب بالقلم، بل تكتب بقلبٍ يحترق، ووجدانٍ يتشقق، وخوفٍ عميق على أبناءٍ هم مستقبل الوطن قبل أن يكونوا مستقبلها الشخصي.
ولذلك، فإن ما خطّته تلك الأم الواعية المثقفة ليس مجرد كلمات، بل جرس إنذار أخير… جرس إنذار إن تجاهله المسؤولون فلن يبقى للتعليم معنى، ولا للمدرسة دور، ولا للوطن غدٌ يستحق أن ننتظره.
لقد قالت تلك الأم ما عجز عنه كثير من الخبراء ولجان التطوير ومراكز البحوث…
قالته ببساطة، لكن بصدقٍ جارح:
«أبناؤنا يضيعون داخل نظام تعليمي مُنهك، خاوٍ، مريض.»
أمّ كتبت بلسان كل بيت. رسالتها لوزير التربية والتعليم ليست رسالة واحدة، بل آلاف الرسائل التي لم تجد طريقها إلى الطاولة الرسمية.
إنها صرخة كل الأمهات اللائي اكتوين بنار مناهج تالفة لا روح فيها، ووسائل تعليمية عقيمة لا تُشبه العصر، وطرق تدريس بالية تعود بنا إلى الخلف عشرات السنين، وفلسفة تعليم متهالكة لا تصنع أمّة ولا تنهض بوطن.
لقد وصفت تلك الأم بجرأة ووضوح ما يعيشه أبناؤنا اليوم: ضياع بين دفاتر الامتحانات، واختناق تحت وطأة تعليمٍ فقد روحه، واندثار للمتعة، وغياب للطفولة، وركض محموم خلف «علامة» لا تشبه العلم في شيء… ومدارس تحوّلت من حقول معرفة إلى مصانع اختبارات.
ولا يمكن لأي مسؤول منصف أن يقرأ كلماتها دون أن يهتز ضميره:
عامٌ دراسي كامل يتحوّل إلى سلسلة اختبارات: شهري، وتقويمي، ونهائي…
وكأن الطالب آلة يجب أن تُنتج أرقامًا، لا إنسانًا يجب أن يُصنع فيه الفهم والدهشة والإبداع.
المدرسة لم تعد مدرسة…
بل أصبحت مضمار سباق، ينهك المعلم، ويهزم الطالب، ويمزّق الأهل بين الخوف والشعور بالتقصير.
لقد أصبحت مدارسنا تُخرج جيلًا يحفظ ولا يفهم… ينجح ولا يتعلم.
وقد قالتها الأم بأصدق الكلمات:
نحن نصنع جيلًا يحفظ ليوم الامتحان ثم ينسى.
وهذا هو أخطر ما يمكن أن تُصاب به أمة تسعى للنهوض:
جيل بلا مهارات، بلا شغف، بلا تفكير نقدي، بلا فضول.
جيل «مُبرمج» على الورقة والقلم… لا على الحياة.
إن رسالة تلك الأم ليست صرخة يأس، بل صرخة إصلاح لا يمكن تجاهلها.
فما كتبته ليس شكوى عابرة، بل ملف إصلاحي كامل يصدر من «قلب البيت» الذي يتحمّل عبء فشل النظام التعليمي كله.
لقد وصفت منهجًا طويلًا لا يرحم، وفصلًا قصيرًا لا يكفي، ومعلمًا مرهقًا لا يملك ترف التعمّق، وطالبًا ملهوفًا لا يجد فرصة للفهم، وأهلًا يعيشون في حالة طوارئ دراسية دائمة.
فأي تعليم هذا؟
وأي وطن نرجو أن نبنيه بهذا الأسلوب المتهالك؟
إلى وزارة التربية والتعليم:
هذه ليست رسالة… هذا واجب وطني.
إن كلمات تلك الأم يجب أن توضع على مكتب الوزير، وأن تُقرأ أمام كل لجنة تطوير، وأن تُناقش في البرلمان، لأنها ببساطة تمثّل رأي الشعب… تمثّل صوت الحقيقة الذي يسمعه كل بيت قبل أن يصل إلى آذان المسؤولين.
نريد تعليمًا يعيد الحياة للمدرسة…
يعيد الاحترام للمعلم…
يعيد الفرح للطفل…
ويعيد الثقة للوطن في أبنائه.
وفي الختام، إن ما كتبته تلك الأم هو أقوى وثيقة شعبية حول واقع التعليم اليوم، وهو سطر يجب ألا يمر مرورًا عابرًا، لأنه ليس مجرد شعور أمٍّ، بل حكم شعب على نظام تعليمي ينهار أمام أعيننا.
وإن لم تتحرك وزارة التربية والتعليم اليوم، فلن يكون الغد ملكًا لأبنائنا، بل ضحية جديدة لمناهج تالفة وطرق تدريس عقيمة.
فشكرًا لتلك الأم التي كتبت بجرأة ما يجب أن يُقال، ونادت بصدق ما على ما يجب أن يُصلح، وقرعت للوطن جرس الإنذار الأخير قبل الانهيار الكامل.
شارك المقال
