ذو النون أحمد نايل: المكتبات الشخصية خلقت فينا شغف الاطلاع

192
pic 04
Picture of حوار : طارق عبدالله علي

حوار : طارق عبدالله علي

• يمثل الشاعر السوداني «ذو النون أحمد نايل البشير» نموذجاً للمثقف السوداني الذي استطاع أن يوازن بين شغفه بالإبداع الأدبي ومتطلبات العمل المهني المتخصص.

وُلد «نايل» في العام «1979» بقرية صراصر بريف طابت، حيث نبتت بذرة اهتمامه بالشعر والأدب في بيئة ثقافية نشطة. تنقل في مراحل دراسته بين صراصر وطابت الثانوية وصولاً إلى جامعة الجزيرة، ثم انخرط في مجال الإعلام ليعمل في قسم المونتاج بتلفزيون الجزيرة، قبل أن تمتد تجربته المهنية إلى خارج السودان، حيث عمل مونتيراً في مجموعة «MBC Action» ضمن فريق برنامج «آكشن مع وليد». نايل متزوج وأب لثلاثة أبناء، ويجمع بين مسؤوليات الأسرة والعمل وبين إبداعه الشعري الذي يعبر من خلاله عن الهم الإنساني والسوداني.

في هذا الحوار، يفتح قلبه للحديث عن رحلته بين القصيدة والمونتاج، وعن تداخل الإيقاعين في تشكيل صورته الشعرية والإعلامية.

• متى وكيف اكتشفت موهبة الشعر؟ وما هي المؤثرات الأولى التي شكلت وجدانك الشعري في قرية صراصر؟

– كانت البداية في المرحلة الثانوية، أما المؤثر، فبيئة قرية صراصر لها أثر عظيم، حتى على القرى المحيطة بها. صراصر مجتمع مثقف للغاية، ومجموعة من المكتبات الشخصية خلقت فينا حب وشغف الاطلاع والقراءة. فكرة التبادل المعرفي ما زالت موجودة ومتبادلة بين الناس في القرية حتى اليوم. ومن الهموم التي تشغلنا الآن هو كيفية إعادة إنشاء مكتبة عامة،  كذلك يمكنني أن أقول لك إنك تستطيع قراءة جميع الصحف اليومية وأنت داخل تلك القرية. كان المسرح الصراصري نشاطاً قادراً على إنتاج سحابة من المبدعين، وهو حراك ثقافي داخل القرية يتمثل في أسبوع ثقافي تُقدم من خلاله العديد من البرامج مثل المسرح، ومعرض الفلكلور، ومعرض تشكيلي، ومكتبة عامة، وغناء، وشعر. ربما لم أشارك كعضو، لكني كنت صنيعة هذا الحراك الإبداعي. فجريدة النادي الحائطية ومنتدى البانة، وكل شيء في صراصر كان حافزاً وداعماً جداً للإبداع.

​• كيف أثرت بيئة العمل في مؤسسات إعلامية مثل تلفزيون «الجزيرة» و «MBC» على رؤيتك الفنية والإبداعية؟

– كان التأثير على التكوين بكل أشكاله. وهو أكبر مكسب استفدته من المؤسسات الإعلامية التي عملت بها، إضافة إلى أنك في الحاضنة الإعلامية تكون قريباً جداً من مجموعة من المبدعين والأفكار المتجددة. وقد ساعدني كثيراً وطور لدي أشكال المعرفة.

​• كيف استطعت الموازنة بين شغفك بالشعر وعملك المتخصص في المونتاج الذي يتطلب تركيزاً تقنياً عالياً؟

– أستطيع أن أقول لك إنني أتعامل مع كليهما بقدر كبير من المحبة. المونتاج هو ترتيب المشاهد وضبط الحركة والصوت واللون في الصورة للمشاهد، كما هي القصيدة، هي ترتيب للصور والمشاهد في ذهن المستمع وإضافة الألوان التي تناسب الصورة. ومن جميل حظي أن هذا يخدم ذاك. أنا أتعامل مع الاثنين بكامل المحبة والشغف.

​• ما هي أبرز المدارس الشعرية السودانية والعربية التي أثرت في تجربتك؟ وهل ترى أن لبيئتك التي نشأت فيها تأثيراً خاصاً على صورك ومفرداتك؟

– أنا من جيل تربى على سماع «درويش» و«نازك الملائكة» و«بدر شاكر السياب». واستفدت جداً من السوشيال ميديا والخدمات الكبيرة التي يقدمها محرك البحث. أما «عمر الطيب الدوش» و«محمد الحسن سالم حميد» و«محمد طه القدال» و«محجوب شريف» و«أزهري محمد علي»، فهذه مدارس قد أكون ما زلت أتتلمذ في مراحل الجمال فيها. تأثير البيئة بالتأكيد واضح وأظنه جلياً في الكتابة وخطاب النص وأغلب الصور.

​• كيف ترى المشهد النقدي والانتشار الشعري في السودان والوطن العربي؟ وهل الشعر السوداني يجد حقه من النشر والاحتفاء؟

– المشهد النقدي يكاد يكون غائباً حقيقة. أما الانتشار الشعري فهو مطمئن، ومبشر بإنتاج عظيم. والحمد لله، هناك الكثير من المشاركات، وقد يكون واضحاً للناس أنها بدأت تتزايد بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، وبدأ الشعر السوداني يأخذ حقه ومكانته الأولى في منتديات ومنابر الشعر العربي.

• هل أسهمت تجربة العمل الإعلامي في جعلك أكثر التزاماً بقضايا محددة؟ وما هي أبرز القضية الإنسانية أو الثقافية التي لم تكن تهتم بها سابقاً وأصبحت تشغل حيزاً في شعرك اليوم؟

– من أوائل الأشياء التي تعلمك إياها الحياة قبل العمل الإعلامي هو الالتزام والحياد. الإعلام يطور هاتين الصفتين بشكل كبير، ويعلمك أن مسؤوليتك هي نقل الحدث كما تراه وتسمعه. وهذا ساعدني كثيراً في الشعر. أنا أنتمي لما يقوله الشارع وتطلبه الحياة الكريمة. ما يشغل بالي الآن هو دعم وتقديم تجربة شعرية لجيل يستند على ما سبق من مدارس ويتحدث بلسان حاله.

​• هل هناك نقطة تلاقي بين إيقاع القصيدة وإيقاع المونتاج؟ وهل تستفيد من حساسية الشاعر في عملك كمونتير؟

– كما قلت لك في البداية، الاثنان يعتمدان على تقديم المشهد بشكل يليق بالعين ويخاطب القلب والعقل. وهذا ساعدني كثيراً، لأنني ربما فهمت من المونتاج كيف أنقل المشهد دون أن أفقد تركيز المشاهد معي، وهذا ما يميز المونتير.

​• هل ترى أن القصيدة المرئية تضاعف انتشار النص وتخدمه… أم أنها تقتل بعضاً من جمالياته وتحد من خيال القارئ؟

– سمعت من الصديق «محمد عبد الماجد» أن الاستاذ «محمد الحسن سالم حميد» كان يقول إن الشعر مُشافَهة. والمشافَهة تحتاج إلى المكان والتقارب. في الظروف التي نعيشها، انعدم الاثنان: المكان والتقارب. قد أكون أحاول التعويض عنهما بالطريقة والتجربة التي أقدم بها النص المسجل، وأستفيد من مهنتي أيضاً في هذا الأمر. أكاد أقول إنني نجحت في أن أوصل صوتي إلى أماكن ومسافات بعيدة، ووجدت صدى لذلك. فالقصيدة المرئية أو المسموعة الآن قادرة على التنقل والانتشار بشكل سريع. توظيف الصورة قد يكون أحياناً خصماً على النص، لكن في الأغلب، المحب يأخذ الصوت وقد يغنيه عن الصورة أحياناً.

• ما هي المواقف الراسخة في العمل ضمن برنامج رياضي جماهيري مثل «آكشن مع وليد »؟ وماذا أضافت لك هذه التجربة؟

– قد تظهر الفائدة محصورة على العمل في شكل التطوير والمهنية. لكن هناك إضافة غير ملحوظة تأتي من خلال الوقت. لأن البرنامج محصور في وقت محدد، فإنه يمنحك مساحات كبيرة في الوقت المتبقي تستطيع أن تستفيد منها في خلق وجود وأفكار في الجانب الآخر. تمكنت من خلال هذا الوقت خلق وجود في بعض منصات السوشيال ميديا، وهو وجود يمكن أن أصفه بأنه ملحوظ، بالإضافة إلى الفائدة الكبيرة من التجربة في التعامل مع كادر عمل مختلف وجو مهني.

​• ما هو دور الأسرة في دعم مسيرتك الشعرية والمهنية؟ وكيف تنظم وقتك بين الأسرة والعمل والإبداع؟

– الأسرة هي أكبر داعم. لا أخفيك أن مسودة الديوان الأخير تمت بدعم ومشاركة كبيرة منهم، من خلال حرصهم على نقل النصوص والمتابعة الكبيرة لهذا العمل خطوة بخطوة، وتهيئة الجو في الكثير من النقاشات مع الأصدقاء حول الكتاب، وأحياناً كثيرة المشاركة من خلال نشاطهم المدرسي ببعض النصوص. هم داعم كبير في التجربة، وأنا أشكرهم جداً من هنا، وأخص بالشكر الجزيل زوجتي الداعم الأول والحريص على كل شيء في هذا المشروع.

• كيف ترى دور الشاعر المثقف في ظل الظروف الراهنة في السودان؟ وهل تحضر قضايا الوطن وهمومه في نصوصك الأخيرة؟

– من مسؤوليات الشاعر مجتمعه. أنا أرى أن الشاعر هو عين الناس وبصيرتهم للمستقبل، وقبلها هو الدليل عندما يصعب المشي وتضيع الرؤية. وعليه مسؤولية أن يقدم الحل، قد يكون فكرة أو يكون أملاً. المهم هو الصوت الذي تتبعه الخطوة، وعلى عاتقه تقديم هذا الشيء. لأن القلم أمانة، وأي شاعر صاحب قلم وبصيرة مسؤول عن أمانته، عما قدم من خلالها وعما أفاد به. كل إنسان تلمسه قضايا الوطن، لكن يكون وقعها على روح الشاعر مختلفاً، وإن لم أبالغ في هذا الوصف، فالشاعر مهموم بالكل والإنسان العادي مهموم بحال نفسه.

• ما هي نصيحتك للشباب السوداني الطموح الذي يسعى للجمع بين الإبداع والمهنة!؟

– هذا الأمر أنا أولاً أحمد الله عليه وأشكر فضله. وأقول لأي شخص أن الأهم هو الاجتهاد فيما تقدم، قبل الجمع. وأي عمل يجب أن نقدم أنفسنا من خلاله، ونعرف الناس بجهدنا فيه. وبذلك يصل العمل ويقدر. وأقول للناس الذين في المجال، وكثير منهم أصحاب أقلام وإبداعات متعددة:«صوتكم مهم أن نسمعه».

• هل لديك ديوان قيد الطبع أو مشاريع أدبية جديدة تعمل عليها؟

– نعم، هناك ديوان تحت الطبع بعنوان «أنا من عمي»، إن شاء الله يرى النور قريباً.

​• كلمة أخيرة… رسالة مفتوحة توجهها لقراء الحوار أو محبيك!

– شكراً أولاً لك ولصحيفة «فويس»، وللقراء بالطبع. وأتمنى أن يجدوا الفائدة في الحوار. ولكم المحبة الخالصة.

 

شارك الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *