
محمد المهدي الأمين
مستشار التحربر وكاتب صحفي
• (دار أبوك إن خربت شيل ليك فيها شلية) كنت أظنُّه مجرد مثل لا يمكن أن يطبَّق في أرض الواقع، فنحن الذين نتغنى صباح مساء ب(جدودنا زمان وصونا على الوطن) ونؤكد ضمن كلمات هذه الأغنية الوطنية تمسكّنا بالوصية والعض عليها بالنواجذ، وأنها في سويداء القلوب (نحن حافظين للوصية في قلوبنا الوفية). فكنت مطمئناً إلى أننا شعب يضع الوطن في حدقات العيون، وأننا إن دعا داعي الفداء لن نخون، وأصبحت على قناعة تامة وثقة لا يدانيها شكٌّ في أن بلادنا لن تؤتى من قبل بنيها، أما المثل الداعي لأخذ نصيبك من(دار أبوك إن خربت) فهو مجرد كلام لا يمكن أن يصير فعلاً على أرض الواقع، لكنه صار.
وهنا لنا وقفتان مع فئتين من أبناء هذه البلاد؛ الفئة الأولى هي التي (شالت من دار أبوها)، ولم تنتظر خرابها على يد الأعداء، بل كانت هي معول هدم الوطن.
وتشمل هذه الفئة كثيراً من الناس، الذين أعماهم الطمع، وهم يبحثون عن المال بأي طريقة، دون واعظ، ولا خوف من قانون، ولا إحساس بتأنيب الضمير، هؤلاء يسعون لخراب الدار، فالذين يجلبون المخدرات، والذين يروِّجونها، والذين يستوردون سلعاً منتهية الصلاحية، أو غير مطابقة لمواصفات ومقاييس الجودة، وقد شمل ذلك السلع الغذائية منتهية الصلاحية التي تعاد تعبئتها، أو خلطها بمواد صالحة، وهناك من يتلاعبون في تاريخ الصلاحية، والأدهى والأمر المتاجرة بمعاناة المرضى بإدخال أدوية عديمة النفع، إن لم تكن ضارة.
ومن ذلك رفع الأسعار في المستشفيات، فصرنا نسمع أرقاماً فلكية لرسوم العمليات الجراحية، لا تناسب مستوى دخل الفرد، فأصبح العلاج يحتاج إلى معجزة، لذلك لجأ كثير من المرضى للعلاج البلدي، وأغلق بعضهم عليه بابه يكابد الألم منتظراً يومه.
مقابل جشع الباحثين عن المال، فقدت البلاد قوى بشرية كانت عاملة من أجل الإعمار والنماء، فأقعدها المرض، وضاع شباب بالإدمان كنا نأمل بأن تكون عقولهم وسواعدهم إضافة حقيقية لقوانا البشرية، لكننا فقدناهم، والمؤسف جداً (ما زال العرض مستمراً، وما زالت هذه الفئة تمارس تخريبها).
وهذه أسئلة تحتاج إلى إجابات: هل لدينا قوانين تجرِّم هذه الممارسات؟ وإذا كانت القوانين موجودة ما دور الجهات الرقابية والأمنية في محاربة هذه الأفعال وتقديم الجناة للعدالة لينالوا جزاءهم؟ والسؤال المهم كيف نوقف هذا الإنهاك للبلاد في إنسانها؟
أما الفئة الثانية فقد شاهدها الجميع عند نشوب هذه الحرب، التي طبق خلالها المثل (بيان بالعمل)، فالنهب قد طال المرافق الحكومية والخاصة، ولم تسلم منه حتى المستشفيات والجامعات والمدارس والوزارات والبنوك، ثم انتقل العرض إلى الممتلكات الخاصة في الأسواق، فنهبت المخازن والمحلات التجارية، وفي جانب آخر كانت البيوت عرضة للنهب، فقد كانت المليشيا تنهب البنوك والمستودعات، وتتركها مفتوحة فيدخلها الناس فلا يتركون فيها حبة خردل، إن الحق يجبرنا على الاعتراف بالواقع، الآن الأسواق والشوارع ملأى بالمعروضات المسروقة التي تباع بأبخس الأثمان، لكن الحقيقة الصادمة أن ذلك في مناطق لم تدخلها المليشيا على الإطلاق، وهناك من يعرضون بضاعتهم في شوارع الأحياء السكنية، ومعظمها أجهزة كهربائية (مراوح، مكاوي، موتورات المياه، برادات، مكيفات)
ومن هؤلاء من طبّق المثل وزاد عليه فلم يقف عند ذلك بل نهب بيوت جيرانه. فهي في نظره غنيمة مستحقة، كيف لا وهي داخلة ضمن الدار الكبير المسمّى السودان، فلما حدث ما حدث طبّق المثل (دار أبوك إن خربت شيل ليك فيها شلية) دون استثناء أو مراعاة لحق الجار..
الدار تحتاج إلى إعمار لا إلى تخريب، فخيرها وفير، فقط تحتاج إلى من يخشى الله ويقيم العدل ولو على نفسه.
كيف يبلغ البنيان تمامه
إذا كنت تبني وغيرك يهدم
شارك المقال