خليل إسماعيل.. فنانُ الفنانين وصوتُ الوجدان السوداني

175
حسن عبدالرضي

حسن عبدالرضي الشيخ

كاتب صحفي

• في مساءٍ بهيٍّ، وعلى إيقاع الذكرى والصوت الدافئ، احتفت مجموعة «ربوع السودان» عبر تطبيق «واتساب» بالفنان الكبير خليل إسماعيل، في أمسيةٍ مضمّخة بالحنين، رُويت فيها فصول من سيرة رجلٍ لم يكن مجرد مطرب، بل صفحة مضيئة في كتاب الوجدان السوداني.

وُلد خليل في مدينة الأبيض عام ١٩٣١، في حيٍّ نابضٍ بالحياة والفن، وسط أُسرٍ أنجبت المبدعين، وتفتّحت في دروبها مواهب نادرة. هناك، في زوايا الطفولة، تسرّبت الموسيقى إلى روحه، وسكنت الأصوات الأولى ذاكرته، فكانت الأعياد والمناسبات البيتية مسارحه الأولى، حيث شقّ صوته درباً خاصاً في قلوب من حوله.

انتقل خليل إسماعيل إلى الخرطوم شاباً، لا يحمل في يده شهادة فنية، بل موهبة تشعّ من أعماقه. دخل الإذاعة مصادفة، حين سجّله مهندس صوت دون علمه، فإذا بصوته يملأ الأثير، وكانت أغنية «يوم التهاني» لعبد الرحمن الريح أولى بشائر ميلاده الفني في عام ١٩٥٨.

امتاز خليل إسماعيل بصوتٍ آسرٍ، رخيمٍ كالنسيم، دافئٍ كعبق الذكريات، يحمل الشجن والصدق معاً. كان كل لحن يؤديه صلاةً للوجدان، وكل كلمة ينطقها قطعةً من قلبه. لم يكن فناناً عابراً، بل كان أيقونة شكّلت وجدان أجيال، ورفدت الساحة الفنية بأغنيات خالدات كـ»الأماني العذبة»، و»لو شفت مرة جبل مرة»، و»بسحروك».

وفي عام ١٩٦٨، دوّى صوته في رائعة محمد الأمين وهاشم صديق «الملحمة»، منشداً للثورة، للدم الطاهر، ولحلم الخلاص. ولم يكتفِ بما وهبته الطبيعة من موهبة، بل سعى لصقلها، فالتحق عام ١٩٧٣ بمعهد الموسيقى والمسرح، جنباً إلى جنب مع زيدان إبراهيم وأبو عركي البخيت، ونهل من خبرات أساتذة عالميين في فنون الصوت والبيانو.

كان خليل إسماعيل سفيراً للأغنية السودانية بامتياز، حملها إلى كوريا وأفريقيا، ناشراً عبقها في القلوب، ومجسّداً أعذب ما في السودان من روح. ومع ذلك، ظلّ بعيداً عن التكريم، كأنّ هذا الوطن لا يعرف جواهره إلا حين تواريها الأرض.

وفي ٢٢ أغسطس ٢٠٠٧، انطفأ صوته العظيم بصمتٍ يشبه نبل مسيرته. قال عنه أبو عركي: «فقدانه ليس فقد فرد، بل غياب طيف من النقاء».

خليل إسماعيل ليس مجرد اسم في سجل الفن، بل وجدان وطن، وصوت شعب، وصدى زمن لن يتكرر.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *