حول مسرحية حفرة بقاعة ايوارت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة 

49
مسرحية
Picture of صلاح يوسف

صلاح يوسف

• كانت أمسية الاثنين الثامن من سبتمبر موعدا تداعى له المسرحيون السودانيون المقيمون بالقاهرة من كل حدب وصوب وذلك لحضور عرض مسرحية (حفرة) من تأليف وإخراج الاستاذة ماجدة نصر الدين كوكو وتمثيل المبدعات انتصار محجوب وسلمى يعقوب وايمان حسن . وقد كان ذلك بقاعة ايوارت بالجامعة الأميركية بالقاهرة التي درجت على استقبال كل الفعاليات الثقافية في إطار برامج مشروع التراث الثقافي للمهاجرين واللاجئين وهو مشروع  له فريق عمل يضم العاملين والمهتمين بالشأن التراثي الثقافي الفني بإشراف الدكتورة أميرة احمد من الجامعة.

لعل ضربة البداية التي أرادت المؤلفة والمخرجة ماجدة نصر الدين ان تشد بها انتباهنا لهذا العمل المسرحي، هي تذكيرنا – ونحن بالطبع لم ننسى – بأننا جميعاً واقعين في حفرة ولابد من الخروج منها لنعود لحياتنا الطبيعية سالمين، متعافين، منتصرين. ولقد عبرت عن ذلك بأن أظهرت لنا ثلاث ممثلات، مقيدات بحبال مدلاة من سقف الخشبة إلى أسفل الوسط الذي من المفترض أن يكون الحفرة، وهن يحاولن الفكاك ومن ثم البحث عن وسيلة للخروج منها. ولكن يبدو أنه حتى لو افلحن في فك القيود – وقد حدث ذلك فعلا – سيظل السؤال حول البحث عن الوسيلة  قائماً. وباعتبار ان هذا الحال يتم تجسيده مسرحياً فمن الطبيعي أن يتم ذلك عبر مخرج  يقع عليه الدور الأساسي فنياً في انتشالهن من الحفرة، غير اننا نتفاجأ عند بداية العرض بأن هنالك مخرجين يتنافسان في وسيلة إخراج العمل أو بالأحرى اخراجهن في حين لكل منهما رؤيته الخاصة التي تتعارض مع رؤية الآخر، الشيء الذي لن يحقق في النهاية مخرجاً من الورطة.

ولعل الرمزية هنا تشير إلى وجود طرفين متنازعين وبالطبع لن يتفقا على كلمة سواء. لذلك نجد أن الممثلات الواقعات في الحفرة يفكرن في صرف النظر عن المخرجين ويلجأن إلى عرض مأساتهن، لنا كجمهور يعي أس المشكلة إن لم يكن طرفاً فيها، ضاربين برؤى المخرجين وصراعهما عبر الحائط.  لقد  تجلى ذلك حين عكست كل واحدة منهن تجربتها  لنعرف كيف انتهى بهن المطاف للوقوع في الحفرة وما أكثر الاسباب المؤدية لذلك من أشكال الترهيب والقتل والاغتصاب والنهب والارغام على النزوح وترك الديار فضلاً عن الهدم والدمار الناتج من المعارك الدائرة دون بوادر مبشرة للحل. وهنا قبل الولوج في دهاليز النص – وهي مأخوذة من وقائع عاشها او علم بها كل من اكتوى بنار الحرب – كنت اتمنى لو ان المؤلفة أظهرت لنا جانباً من خلافات المخرجين بصورة أكثر وضوحاً عبر إفادات تسردها الممثلات حين علمن من إحدى العناصر المساعدة في العرض لدى ظهورها في البدء من الكواليس لتفيد الممثلات همساً بمعلومة التنافس والخلاف بين المخرجين. كان من الممكن أن تتوسع المؤلفة هنا في عكس جوانب الصراع حول هذه الجزئية بتوليف مختلف المفارقات بدلاً من اقتصار الحوار حول رفض الفكرة انطلاقاً من استحالتها  لتعارضها مع مقتضيات وأدبيات الإخراج المسرحي، إذ لا يعقل أن يكون هناك أكثر من مخرج للعمل  المسرحي الواحد وبذات طاقم الممثلين أو الممثلات في ذات الوقت. 

ولعل التجارب التي مررن بها لم تكن خافية على الجمهور لذلك تم الحكي والسرد وتقريب الوصف وتجسيد الوقائع على الخشبة دون تهويل أو شطط لدرجة (أننا أصبحنا نتقبل اخبار الموت بصورة عادية ودون اندهاش)  فحقق ذلك دوراً كبيراً في تحريك المشاعر واشعال نار الحواس التي لم تكن اصلاً هامدة، وعليه فقد  تجاوب الجمهور مرات عديدة بالمقاطعة والهتاف التصفيق وباعلاء شعار الثورة حرية سلام وعدالة الذي ساهم به الجمهور رداً على ما شاهد من تجسيد يعيد للمرء ذكرى الاعتصام وما أفضى إليه من تغيير. ولقد كان أداء ثلاثي الممثلات رائعاً ومنسقاً فالمخرجة أحسنت الإختيار حين اسندت هذا العمل إلى انتصار محجوب (بيرين) وسلمى يعقوب وايمان حسن  فلا شك أن الانسجام بينهن ساعد على توصيل الفكرة بأداء واقعي. وبما ان المأساة واحدة فقد ظهرن بزي موحد  باللون الأسود وهو رمز الحزن مع طرح حمراء بلون الدم يتم التحزم بها أحياناً. وفيما يتعلق بالفنيات والمؤثرات فقد استخدمت الإضاءة المسقطة في بعض المواقف القليلة في حين ظلت العادية أو الخافتة ثابتة طوال مدة العرض الذي جاءت مؤثراته متسلقة مع ايقاعية الأداء خاصة حين يتطلب الحوار العودة الي اهزوجة لحنية معينة. 

ولابد في ختام هذه الفضفضة الانطباعية أن اشير إلى أن سفر المؤلفة المخرجة ماجدة نصر الدين لمهمة رسمية لم يقف حجر عثرة في إكمال العمل، فقد تصدى للمتابعة والتنفيذ فريق من المخرجين والفنيين الاكفاء وعلى رأسهم محمد عليش وحاتم محمد علي وأمنية مساعدة المخرجة وايهاب بلاش والشافعي شيخ إدريس حيث قاموا خير قيام بتنفيذ الرؤى الإخراجية بعد سفر المخرجة وتنفيذ العرض الذي نال رضا الجمهور، فشكرا لهم. وبالطبع نزف التهاني إلى ماجدة نصر الدين كوكو مع تمنياتنا لها بمزيد من النجاحات المستقبلية. 

ولا ننسى الإشادة  برعاية  مشروع التراث الثقافي للمهاجرين واللاجئين بالجامعة الأمريكية بمصر والذي تقف وراءه الدكتورة أميرة احمد مع فريق عمل من المبدعين في هذه المجالات حيث يتم تسخير امكانات الجامعة للعديد من الفعاليات الثقافية ذات الصلة بكل ترحاب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *