حكاوي من مدينتنا.. (فندق المدينة)

91
د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• في مدينتنا الجميلة، وهي في الحقيقة ليست مدينة بالمعنى الحرفي للكلمة، هي (مدينة ريفية)، أو (شبه مدينة)، ولكن دعنا نسميها تجاوزاً (مدينة). 

 فهي بالكاد تتوفر فيها بعض الخدمات، وفيها عدد من المؤسسات، وسوق متوسط الحجم، مبني بالمواد الثابتة،  تتوفر فيه الاحتياجات الأساسية لسكان المدينة والقرى من حولها.

هذا السوق عالم من عوالم المدينة، يرتاده الكل، ووصل البعض إلى التعلق بالسوق لدرجة الإدمان. 

يزدهر السوق ويزدحم أيام الأسواق، وهي يومان في الأسبوع، حيث يتوافد إليه سكان القرى والأرياف كل يريد شراء حاجاته، وبيع منتجاته في عملية تبادلية استمرت سنوات طويلة دون انقطاع، أما بقية أيام الأسبوع، فالسوق يكون عادياً، يرتاده فقط سكان المدينة بأحيائها المختلفة. 

المدينة هادئة لا ضجيج فيها، فلا مطارات، ولا طائرات تهبط وتقلع، ولا ماكينات مصانع تدور، ولا شوارع مسفلتة، ولا حركة عربات كثيرة، كل ما فيها قليل من عربات الحكومة، واللواري الناقلة للبضائع والمحاصيل، ما عدا ذلك لا تسمع صوت ماكينة تدور- عدا طواحين الغلال التي تطحن الذرة من أجل أكلها. 

في يوم من الأيام جاء زوار إلى المدينة، ونزلوا عند حاجة فاطمة في مطعمها وقهوتها، وبعد أن تناولوا وجبة الغداء وشربوا الشاي، سألوها هل لديكم فندق هنا لنبيت فيه ونسافر في الصباح؟ 

لم تفهم سؤالهم جيداً، ولكنها فهمت أنهم يريدون مكاناً ليبيتوا فيه ويسافروا في الصباح. 

فردّت عليهم (أرحكم بيتوا مع أولادي في الديوان، وصباح الله بخيره سافروا). 

فكرروا لها نحن نريد فندق، فندق.. فندق. 

بالطبع لا توجد في مدينتنا فنادق، أو ثقافة الفنادق، فالزائر إلى مدينتنا إما أن يكون لديه أقرباء، أو أصدقاء، أو زملاء فيها ينزل عندهم، أو تتم استضافته في ديوان أقرب شخص تعرف به، ولا حرج في ذلك، ففي أي منزل من منازل المدينة  ديوان خاص للضيوف، وأيضاً لاستضافة طلاب المدارس من أهلهم القادمين من الريف، الذين يفضّلون السكن مع ذويهم في الخارجية، بدلاً عن سكن الداخلية. وبالطبع فهو ديوان لأبناء البيت الذكور غير المتزوجين.

وعندما أصبحت في المدينة مؤسسات وصار بها موظفون كبار، وزوار رسميون، بنت الحكومة استراحة لكبار الموظفين والزوار، عرفت ب(استراحة الحكومة)، واختصاراً يسمونها (الاستراحة). 

نعود إلى ورطة حاجة فاطمة، التي سئلت عن شيء لا تعرفه، ومن أين لها أن تعرفه والمدينة كلها لا يوجد فيها فندق واحد، ولم تسمع بهذا الاسم قبل اليوم. 

فبعد صعوبة فهمت حاجة فاطمة أن الضيوف يريدون  مكاناً للمبيت فيه غير ديوان أولادها التي تكرمت وعزمتهم  باستضافتهم فيه، أو ربما يريدون مكاناً أرقى من المنازل الشعبية، فجاء في رأسها استراحة الحكومة، وكادت حاجة فاطمة أن تهتف وجدتها،، وجدتها،، وجدتها،، 

ولكنها تذكرت شيئاً آخر، فاستراحة الحكومة ينزل فيها المسؤولون الكبار، وليسوا أفراداً مثل ضيوفها وزبائنها،  الذين هم في أحسن الأحوال إما صغار تجار، أو قلاجة بهائم، أو صغار مزارعين، ورغم ذلك لا يوجد مكان آخر في هذه المدينة يقترب من مفهوم هؤلاء الضيوف المتعبين، فقررت أن تخبرهم بذلك، فردت عليهم بلهجتها البسيطة قائلة: (والله يا جماعة عندنا مكان هنا بسموه الاستراحة بنزلوا فيهو الناس المحترمين، لكن ناس مقاطيع ذيكم كدا والله أنا ما بعرف بنزلوا وين)

أي أن عندنا في هذه المدينة استراحة، ولكن مخصصة لاستضافة ضيوف من نوع فاخر، أما أنتم بهيئتكم هذه «المقاطيع» فلا أعرف لكم مكاناً تبيتون فيه).

فضحك القوم وبيتوا مع أولادها في ديوانهم، ثم سافروا. 

والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *