العجب عبدالكريم

العجب عبدالكريم العجب

كاتب صحفي

• الضل ننطقها نحن في السودان هكذا الضُّل بضم الضاد وسكون اللام. وحرف الضاد ينطقه الخلايجة ظاء، كذلك أهل النحو في العراق، لذا تكون حروف بنت عدنان عندهم سبعة وعشرين حرفا فهل متساوون معهم في العروبه أم في اختزالها في اللون والشعر الأملس الناعم عندهم.. أما أشقاؤنا المصاورة كما يجمعهم أهل الخليج فينطقون الضاد دال في عاميتهم، وفي فصحاهم يتشاركون معنا النطق أو ليس الصديق وقت الضيق كما المثل.

  كل ما تقدم مدخل لعنوان عمودنا الذي اخترناه، لما للضل عندي من هوى ومكانة تفوق تلك التي جاءت في رواية ظل الحمار الشهيرة. الضل عندي هو ذاك الذي أستجير به من لفح الهجير، قد يكون شجرة، أو (زول) أو (أزوال)، كما يمكن أن يكون جداراً وجريدة. وأضيق بضل مغلق عليَّ، وهو عندي براح ممتد ألتقي فيه بذاتي وكثير من اهتماماتي، وتكتمل فيه روعة التجلي بلقاء لصديق بعد طول غياب، كما في ضل مدينتنا اليوم. 

  يقولون إن الصدفة خير من ألف وعد، وكنت أظن أن بعض القول افتراء، إلا أنه فعلاً بألف ألف وعد. كنت سائراً مطلقاً ساقي بغير هدى وهدف أصله، لأن الهدف الذي شغل تفكيري تملك بوصلة المسير عندي، وأنا على حالة المجذوب هذه، شدني ضل شجرة وارفة، تراصت عندها بعض الكراسي وكبايات القهوه التي أهوى لمحتها رائحة وغادية، حينها تجاسرت على بوصلة المسير، وأدرت مقودها نحو ذلك الضل الذي أكد وعد المصادفة، عندما رفع صديقي عينيه عن هاتفه ليرتشف من كوب قهوته، التي كانت أمامه على  التربيزة التي تفصل بينه وبين المقعد الذي اخترته مرغماً، بعد أن صرعت قدماي وبوصلة مسيرهما جالساً من غير تركيز فيما حولي. رفع صديقي كوبه ومعه صوته عالياً بما لا يتفق مع طبعه والضل ومن حوله (اصلوووو  ما ممكن ولا متوقع) هكذا خرجت ممطوطة تحاكي طول فراقنا، عندها استعدت الوعي بالمكان وتعانقنا بحرارة أسكتت لهنيهة نسيم الضل العليل، الذي ألهبته حرارة التلاقي. جلسنا ودارت كؤوس القهوة وكثير من الحكايا والمواقف، ملغية الإحساس بالزمن والمكان، الذي أعادنا إليه سؤال عرضي مني ماذا أتى بك إلى هذا المكان؟ وجدته جائلاً مثلي، وأعجبه ذات الضل الذي أجبرت ساقيَّ إليه، غير أنه اختار أن يكون ملهماً له لمقال للصحيفة التي يعمل بها. فكان ذلك مدخلاً لحوار تمنى صديقي أن تجمعنا لحظة حتى يدور بيننا، والتي وفرها لنا هذا الضل. وبدأ صديقي في الإطراء على بعض كتاباتي وكثير من مداخلاتي على الوسائط، والتي في الغالب الأعم لموضوعات عامة، بدا معجباً باللغة وتناول المفردات وووو.. أوقفته لأنني لا أرى ما يراه، وأن كتاباتي اعتيادية، لكن بخبرته وحصافته لا يرى ما أرى.. ثم انتبه كلانا ببائعة القهوة بدأت في لملمة حاجياتها إيذاناً بالإغلاق، في تلك اللحظة عرفنا كم أمضينا من زمن حاولنا نقلص فيه سنوات الفراق، وافترقنا على أمل ألا يطول الفراق، إلا أنه طال. 

والآن حان اللقاء لكن عبر الأسافير، والفكرة التي بذرها داخل عقلي في ذلك الضل بدأت تورق وتثمر، وسوف نجني ثمارها تباعاً لنحكي عن ضل مدينتنا الإنسان وإنسان مدينتنا الفنان.. نحكي بتنوع يشبه ثقافته ورياضته وريادته وساسته وسياسته وكل المجتمع وحراكه، مستلهمين ذلك من أفواه وتجارب ومواقف أصحاب الضل الوارف في أم المدائن ودمدني التي نعشق. 

نلتقي في ضل أرحب 

مع كل مودتي

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *