عمر غلام الله

عمر حسن غلام الله

قاص وكاتب صحفي

• وسكتت زقزقة العصافير، وكف القمري عن الهديل بعد أن أوى إلى قمم النخيل، ولم يعد يأتيني ثغاء الشياه من زرائب البهائم الملحقة بالبيوت، وكفت السواقي عن الأنين، وأطبق صمت رهيب إلا من هدير أمواج النيل تلطم القيفة على مقربة مني.. وتلاحقت ضربات قلبي حتى صرت لا أسمع حتى صوت الأمواج، وكأن ضربات قلبي طبل إفريقي عظيم موضوع على كتفي يدقه فتى زنجي مفتول العضلات يتفجر حيوية ونشاط.

حمدت الله أنني حشيت ما يكفي من اللوبيا- أو هكذا خيل لي- ولملمتها وربطتها بالحبل على عجل وعيناي تدوران في محجريهما في كل اتجاه – إلا تجاه اللوبيا- ونهضت حاملاً الرزمة إلى رأسي وأسرعت لأغادر المكان على عجل.. إلا انه شدني من القش وأوقفني عن المسير.. تسمرت في مكاني.. ولم أجرؤ على الالتفات إليه، فصحت به متوسلاً:

– عليك الله يا (تبيق) تفكني، عليك يا الله يا (تبيق) تخليني.

وتحركت إلى الأمام، إلا أن (تبيق) لم يخل سبيلي، فما زال ممسكا بحزمة القش التي فوق رأسي، وكلما تحركت جذبني إلى الخلف.

لا أدري كم من الوقت بقيت هكذا أترجى في هذا الـ (تبيق) واستحلفه بالله أن يعتقني ويتركني في حالي، وفجأة سمعته يرد عليّ:

– ود حمد.. انت جنيت؟

– لا يا (تبيق) أنا ما جنيت، أنا بس ماشي البيت، عليك الله خليني.

خرج صوتي من حلقي حشرجة، ثم جاءني الصوت مرة أخرى:

– يا ود حمد قول بسم الله، تبيق شنو أنا البشير! 

– يا بتيق انت بقيت تشير، يا تبيق انت بقيت بشير، اقصد يا البشير انت بقيت تبيق؟

– لا حول ولا قوة إلا بالله، يا ..

ودخل في دائرة نظري فإذا هو البشير، طيب من الذي ما زال يمسك بي.

– عليك الله يا البشير خلي (تبيق) يفكني

– (تبيق) شنو يا مجنون

– (تبيق) الماسكني من القش

وفجأة نتق القش من رأسي، ولفتني بقوة إلى الخلف، فلم أجد شيئا غير قشي ملقى على الأرض.

– وينو (تبيق)؟

–  يمكن خاف منك يا البشير ورمى قشي وجرى دخل البحر!

– يا عوير لا كان فيه (تبيق) ولا (ود امبعولو)، الكان ماسك قشك هو ده ..

وأمسك بفرع من اللوبيا من ضمن حزمة القش التي كانت على رأسي، وتابعها بيده حتى الأرض، فإذا هي ضاربة بجذورها في باطن الأرض، إذاً فالذي حدث هو أنني في عجلتي ربطت عرق لوبيا غير مقطوع مع حزمة اللوبيا المقطوعة، وعندما نهضت واضعا اللوبيا في رأسي كان هذا العرق يشد بقية الحزمة معه إلى الأرض.

خجلت من نفسي خجلاً شديداً، وطلبت من البشير إلا يفضحني في الحلة، والمهم في الأمر أن البشير أفهمني أن (تبيق) هذا مجرد أسطورة اختلقها أصحاب البساتين ليبعدوا عنها الصبية حتى لا يعبثوا بالفواكه.

 

شارك القصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *