تطور القانون في مجال التجارة والاستثمار – المملكة العربية السعودية نموذجاً

103
مالك محمد عبدالمطلب محمد

مالك محمد عبدالمطلب

مستشار ومحكم

• في ظل تسارع العولمة، واتساع حركة رؤوس الأموال العابرة للحدود، أصبح من الضروري أن تواكب المنظومات القانونية تطور الواقع الاقتصادي، وذلك بتوفير بيئة تشريعية جاذبة، مرنة، وقابلة للتحديث المستمر. وتُعد المملكة العربية السعودية نموذجاً بارزاً في هذا المجال، إذ شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في تطوير قوانين التجارة والاستثمار بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص.

إصلاحات تشريعية محفزة للاستثمار

أدخلت المملكة سلسلة من التعديلات الجوهرية على القوانين التجارية، كان أبرزها:

إصدار نظام الشركات الجديد 2022م، الذي وفر مرونة أكبر في تأسيس الشركات وتعدد أنواعها، بما فيها الشركات ذات الغرض الخاص.

تحديث نظام الاستثمار الأجنبي، حيث أصبح المستثمر الأجنبي يتمتع بحقوق مماثلة للمستثمر المحلي، مما عزز مبدأ التنافس العادل.

رقمنة الإجراءات التجارية عبر منصات موحدة لتأسيس وتسجيل الشركات، مما قلل الوقت والجهد، وسهل انخراط المستثمرين في السوق السعودي.

دور التحكيم في تعزيز بيئة الاستثمار

من أبرز جوانب التطور القانوني في المملكة، ما تحقق في مجال التحكيم التجاري، حيث أصبح التحكيم أحد أهم الركائز التي تبني عليها السعودية ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.

فقد تم تحديث نظام التحكيم السعودي بما يتوافق مع المعايير الدولية، خصوصاً قانون الأونسيترال النموذجي، مما عزز من حيادية واستقلالية إجراءات التحكيم. وتم إنشاء المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA) ليكون منصة معتمدة للفصل في النزاعات التجارية وفق إجراءات مرنة وسريعة، بعيداً عن تعقيدات التقاضي التقليدي.

وساهم التحكيم في:

حماية الاستثمارات وضمان حقوق الأطراف.

تقليل مدة النزاع وكلفة التقاضي.

جذب المستثمر الأجنبي الذي يبحث عن بيئة قانونية آمنة وشفافة.

تعزيز ثقة القطاع الخاص بجدية الدولة في تحسين مناخ الأعمال.

وبذلك، أصبح التحكيم أداة فعالة تدعم الاقتصاد، لا مجرد وسيلة لحل النزاعات، بل عنصر رئيسي في بنية العدالة التجارية الحديثة بالمملكة.

التوازن بين الانفتاح والحماية

رغم الانفتاح الاقتصادي، حافظت المملكة على توازن دقيق بين جذب الاستثمارات وحماية مصالحها الوطنية، من خلال تنظيم القطاعات الحيوية، وتقييد نسب التملك في بعض الأنشطة الاستراتيجية، وفق احتياجات الأمن الاقتصادي والتنمية المستدامة.

خاتمة

تثبت المملكة العربية السعودية أن التطوير القانوني المدروس يمكن أن يكون حافزًا مباشرًا للنمو الاقتصادي. إن التجربة السعودية في تحديث قوانين التجارة، وتعزيز التحكيم، وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة، تمثل نموذجًا يحتذى به عربيًا. ويُؤمل أن تسير بقية الدول العربية في ذات الاتجاه نحو إصلاحات قانونية تدعم التنمية، وتحقق العدالة الفاعلة، في ظل اقتصاد عالمي متغير.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *