آمنة الهادي

بقلم: آمنة الهادي خير الله

• غمست أصابعها في الدماء ومن ثم تذوقتها بشهية كبيرة، أقسم لكم أنها قد فعلت، لقد كنت شاهدة على ذلك، إنها قادمة نحوي تنوي قتلي، لا بدّ لي أن أهرب…

كنت دائمًا أُراقبها حين تقف بقامتها الشامخة ووجهها الجميل؛ إلا من بقع فوضوية وضعت بوجهها، إنها يد القدر عبثت بجمالِها بطريقة مرعبة، كفنان رسم لوحته ببراعةِ ووضع اللمسات الأخيرة، وعلى حين غرة أتته رغبة شريرة في تشويه تلك اللوحة فشرع يضع بها بقعًا باهتة ليشوهها.

كانت كل يوم تقف بالمرآة تنظر لنفسها بكره شديد. لم تستطع أن تغفر للقدر تلك الجريمة الشنيعة، ولم تشفع لصنيعها أي شيء ولا حتى عيناها الزرقاوان، وشعرها الأشقر المنسدل. 

في صغرها عانت كثيرََا، كانت تلك الطفلة المنبوذة من جميع أقرانها، وكان لزاماً عليها تقديم تنازلات لأطفال الحي؛ حتى يسمحو لها باللهو معهم. مثل تنظيف الفوضى بعدهم، بالطبع لا تزال تذكر حادثة الزجاج الذي كسره أحد الصبية، وعندما خرج صاحب المنزل وهو غضبان وسأل من الذي كسر الزجاج أجابوا جميعهم ودون تردد: بيلا فعلت، وهذه الحادثة ليست الوحيدة من نوعها، لدى بيلا سلسلة من الانتهاكات التي مارسها الجميع بحقها، بدءاً من أمها التي كانت تناديها (أم بَرص) أو المبهقة، مروراً بأختها وأخيها اللذين ينفران من مخالطتها في أي إناء سوى كان طعاماً أو شراباً، وصولاً لاسمها الذي تحرف من «بتول» فأصبح «بيلا» ليست رفاهية أو تدليلاً، بل حتى لا يمس صاحبات الاسم ما أصابها، يا لبؤسها! لقد سلبوها كل شيء.

تمرحلت علاقة بيلا بنفسها، ففي البدء كانت تلك الطفلة الخجولة التي تتجنب النظر بالمرآة؛ حتى لا تشاهد ذلك الوحش المقيت. ثم كبر الوحش وأصبح يحتاج للتجميل، أمضت مراهقتها وهي تحلم بذاك اليوم الذي يعلن فيه الطبيب عن آخر جلسة لتنزع عنها ذاك الوشاح الذي يلفها خجلاً، كانت تنحني احتراماً للفتيات صاحبات البشرة الخالية من (البهق)، أوهموها أن تلك ميزة، لم تدرك أنهن عاديات وحدها المختلفة والمميزة بينهن، كانت تبحث عن المصابات بالبهاق  وتلتصق بهن حتى تشعر بالأمان، لدرجة أن خيالها قادها ذات يوم لتأسيس قرية لمصابي البهاق حتى لا تشعر بأنها مختلفة، فالمجتمع لا يتقبل الاختلافات أياً كان نوعها.

عقدك النفسية هي الوحش الذي سيظل متربصاً بك، متخفيًا خلف غابات عاتية من المواقف التي خدشت روحك وضربت في قلبك أوتاداً متينة ربط بها ألمك.

ذاك الوحش القابع في ظلمات نفسك، يتغذى على مزحة ثقيلة يرميها أحدهم فتصيب في نفسك مصاباً جللاً، أو أن يتخذ الناس مما تعتقده أنت نقصًا فيك كنقطة ضعف، كلما اختلفت معهم هاجموها بعنف، العالم مليء بالأشرار، أيادٍ كثيرة تضغط على مكان جرحك بعنف؛ حتى ينزف بغزارة.

ورغم كل شيء تقف هي كالبنيان شامخة، لكن داخلها يتآكل، عيناها ازدادتا زُرقة، ووجهها أعيدت صياغته، فبدت ملامحها قاسية، وتنبعث من جسدها حرارة تذيب الجليد، جرب فقط أن تقترب منها، ستسمع صوت ذاك الوحش، إنه قريب منها، متأهب لينقض عليها في أكثر لحظاتها سعادة، وجاهز للحضور في أتعس لحظات نفسها ليزيد من بؤسها.

تقف كل يوم تشاهد انعكاسها في المرآة، يعجبها ذلك، إطار كبير تحبس فيه نفسها وتحاصرها، تتفحص شكلها بعناية، تحل ربطة شعرها، تتركه للهواء يعبث به ويلتف حول جسدها بحميمية كبيرة، هي تراقب المشهد ومن ثم تبتسم، تنظر لكفها وتمسح عليه مرات عدة، تمد يدها لتتناول شفرة حادة من المنضدة، تمررها على كفها ببطء، ثم بعنف حتى تقطر كفها دماً، تدمع عيناها وتئن ألماً!

ثم تنقض على الدماء بشراهة تلعقها حتى يصبغ فمها باللون الأحمر، إنها تنظر نحوي بحقد كبير، غمست أناملها في الدماء ومن ثم تذوقتها بشهية كبيرة، أقسم لكم أنها قد فعلت، لقد كنت شاهدة على ذلك، إنها قادمة نحوي، تنوي قتلي، لا بدّ أن أهرب، لن أهرب سأواجهها بيدي حجر سأرميه بها علها تموت.

«تلقي بالحجر على المرآة فتتحطم وتختفي الصورة، تمسك رأسها وتتكوم على الأرض منهارة، تلك طريقتها كلما واجهت انعكاسها بالمرآة، تظن أنه ينوي الفتك بها»

المجتمع قاتل للاختلاف، كن مثل الجميع شكلاً ومضموناً، جملة وتفصيلاً، تفكيراً وتفكراً، إياك والاختلاف إنه قاتل.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *