بارا.. معركة أولى في طريق شاق ووعر

65
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط سابق - باحث في شؤون الأمن الوطني والحرب النفسية

• استعادت القوات المسلحة ومكوّنات القوات المشتركة مدينة بارا الاستراتيجية شمال كردفان، في انتصار ميداني مهم، تلاه ضغط مستمر على محاور تابعة للمليشيا في كازقيل والرياش. النصر أحدث ارتباكًا في صفوف خصوم الدولة، وفتح أبوابًا لتثبيت الأمن في محيط الأبيض، لكنه يضع أمام القيادة تحدّي تحويل الانتصار الميداني إلى استقرار مستدام. 

 لحظة معنوية واستراتيجية

دخلت بارا قائمة المدن المستردّة ضمن حملة موسّعة تهدف لتفكيك قدرات مليشيات الدعم السريع في محاور الشمال والغرب. الموقع الجغرافي لبارا على خطوط الإمداد بين الأبيض ومحاور دارفور، يجعل من استعادتها محطة مفصلية في أي مخطط لقطع طرق التموين، وحماية طرق الحركة الاستراتيجية نحو الفاشر ونيالا وزالنجي. 

كيف جرت المعركة؟

تقنية العمل توفّرت عبر ضربات متتابعة: بداية في محاور كازقيل والرياش، حيث تكبّدت المليشيا خسائر في القيادات والآليات، ثم توجّت القوات تحركاتها بدخول منظم إلى بارا وإعلان السيطرة عليها. معلومات ميدانية تحدثت عن مقتل قائد ميداني بارز ضمن صفوف الدعم السريع في كازقيل، وهو ما ساهم في انهيار التنظيم المحلي للمليشيا وتسرّب مقاتليه. 

كما سجّلت تقارير وسائل إعلام محلية وبثّ تلفزيوني لظهور قيادات عليا في خطوط التماس، أبرزهم حضور الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، الذي قاد زيارات ميدانية وتعزيزًا للقيادة الموحدة للعملية. هذا الظهور عزّز من تماسك الوحدات المقاتلة ووضوح الأهداف. 

أهمّ الدلالات العسكرية والسياسية

1. قطيعة لوجستية للمليشيا: خسائر العتاد والأفراد تُضعف قدرة المليشيا على شن هجمات منظّمة، ما يدفعها للاعتماد على تكتيكات متنقلة، أو ضربات مسيّرات خاطفة. 

2. دافع معنوي للقوات والسكان: استعادة بارا تعيد ثقة الأهالي، وباتت رسالة واضحة بأن حكومة السيطرة الميدانية قادرة على استعادة المدن الحيوية. 

3. تهديدات انتقامية مرتقبة: مع تقلّص المجال أمام المليشيا، يمكن أن نشهد تصعيدًا عبر ضربات هجينة — دعاية مضادة، هجمات مسيرة، أو محاولات لقطع طرق الإمداد. التحوط الاستخباراتي والدبلوماسي ضرورة الآن. 

ماذا الآن؟ توصيات سريعة لتثبيت المكاسب

تثبيت حلقة أمنية حول بارا: نقاط تفتيش دائمة ومهمات دورية لمنع عودة خلايا المعارضين.

فرق هندسية وطبية وإغاثية فورية: لتطهير الطرق، وعلاج الجرحى، وإعادة الخدمات، ما يكسب السكان ثقة الدولة.

خطوط إمداد متنقلة ومحمية: لتفادي أن تصبح المخازن داخل المدن أهدافًا سهلة لمسيرات العدو.

مبادرات للمصالحة والاندماج: عروض آمنة للاستسلام وإعادة الدمج لمن يرغب، مع ضبط استخباراتي لمنع تسلل العناصر الخطرة. 

قراءة في احتمالات التحوّل القادم

الانتصار في بارا قابل لأن يتحوّل إلى انحدار، إذا لم تُصحَب إجراءات تأمينية مدنية وعسكرية متوازنة. قدرة الجيش على حمايتها وموازنة وجوده مع دور مدني فعال، سيحسمان إن كانت بارا محطة عابرة أم بداية فصل جديد من الاستقرار الإقليمي. من جانب آخر، تتجه بعض روافد الدعم للمليشيا لإعادة ترتيب صفوفها، أو البحث عن حاضنات جديدة؛ لذلك يجب أن يكون ردّ الدولة متعدد المسارات: ميداني، استخباراتي، ودبلوماسي. 

بارا عادت إلى خريطة السيطرة، لكنها ليست نهاية الطريق. النجاح الحقيقي يقاس بقدر ما سنوفره من أمن دائم وخدمات حقيقية لأهلها، وبمدى قدرتنا على تحويل مكسب عسكري إلى استقرار مستدام. في الأيام المقبلة، سيتبيّن ما إذا كانت هذه اللحظة بداية لتقليص نفوذ المليشيا في كردفان، أم مجرد هجمة تقدم مؤقتة تردّ عليها عمليات مضادة. القيادة الميدانية والقرار السياسي أمام اختبار تثبيت الانتصارات، وتحويلها إلى واقع معيش.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *