الموسيقى والغناء وسوء استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

286
music
Picture of د. كمال يوسف علي

د. كمال يوسف علي

• أتى الذكاء الاصطناعي كواحدةٍ من موجات تطوّر التكنولوجيا الرقمية التي تعود جذورها إلى الخوارزميات في القرن التاسع الميلادي، وما فتئت منذ ذلك الوقت يُعتمدُ عليها في دراسة وتطوير المفاهيم في شتى المجالات المرتبطة بحياة الإنسان، ومن ذلك ما يرتبط بها بشكلٍ غير مباشر مثل الجغرافيا والفلك، والمرتبط بها بشكلٍ مباشر مثل تكنولوجيا الأغذية وتحسينها، والهندسة الزراعية، وتصميم وصناعة الأقمشة وتحسين بيئة العيش في كافة نواحيها، فضلاً عن الصناعات بمستوياتها الخفيفة والثقيلة، ومع تطوّر الصناعة والتكنولوجيا بشكلٍ خاص؛ وبعد تصميم الحاسبات الآلية واعتمادها أداةً أساسية في الدراسة والبحث، صارت التكنولوجيا الرقمية هي التي تتحكم في مجالات الحياة المختلفة في العصر الحديث، في الطب والصيدلة والهندسة والثقافة، ولا شك أن المجال الأخير – الثقافة – هو أكثرها تأثراً وارتباطاً مباشراً بالإنسان، إذ ومع كل خطوة للتطوّر في مجال النشاط الثقافي تنفتح الأسواق أمام المستهلك العادي؛ مُيسّرةً له الحصول على التقنية الجديدة ومُبسّطةً له طرق استخدامها، وبهذا أتت أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والألواح والهواتف الذكية التي كلما زاد انتاجها وزاد الطلبُ عليها وأصبحت أقل تكلفةً وأكثر انتشاراً بين أيدي عامة الناس. أدى ذلك بشكلٍ مباشر إلى تغيير مفهوم الإعلام ومعنى الأجهزة الإعلامية بما أصبحت تتيحه هذه الأجهزة من إمكانيات لتصميم وصناعة المحتوى ونشره وإذاعته دون رقيب أو جهةٍ للضبط كما كان يحدث في الأجهزة الإعلامية التي أصبحت توصفُ بالتقليدية من إذاعةٍ وصُحف وتلفزيون، وعندما ضربت موجة الذكاء الاصطناعي تلقفها الناس بذات المرونة التي استقبلوا بها تقنيات الرسائل الصوتية وتبادُل الصور والفيديوهات، وهنا أصبح بإمكان كل من يتعامل مع هذه التقنية الجديدة أن يصنع المحتوى كما يحلو له، ثم يقوم بنشره وتوزيعه على مدى ما تتيحه سعة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف ضروبها، وكان من الطبيعي أن يكون هناك استخدامٌ وتوظيفٌ إيجابي مُفيد لهذه التقنية، كما تم استخدامها من البعض بشكلٍ سلبي، حدث هذا في مجال الموسيقى حيث أتاحت هذه التقنية إنتاج الفيديو وتركيب الصورة والصوت بالشكل الذي يرغب فيه المُستخدم، فمن الأوجه الإيجابية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الموسيقى؛ تحسين جودة صوت التسجيلات القديمة وتعديلها للأفضل مثلاً، أو حتى في التسجيلات الجديدة يمكن أن يحدث ذلك، لكن من سلبيات استخدامه في مجال الموسيقى ومما يلاحظ عندنا في السودان في الآونة الأخيرة؛ تناول بعض الأغنيات السودانية وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ووسمها بعنوان أن «الخواجات قد اعجبتهم أغنياتنا وها هم يرددونها» والأمر في حقيقته ليست له صلة بأي «خواجات» أو أشخاص أو مؤسسات من ثقافات أخرى أُعجبوا فعلاً بموسيقانا وطفقوا يرددونها، فهو لم يتجاوز أن هناك شخصاً ما استخدم هذه التقنية في ترجمة النص الشِعري للأغنية – حتى أنه لم يبذل جهداً في هذه الترجمة – ثم أدخل النص المُترجم في واحدٍ من برامج الذكاء الاصطناعي طالباً منه أن يضع هذا النص في لحنٍ بأسلوبٍ معين كموسيقى الجاز أو الريف الأمريكي؛ أو أي اسلوبٍ آخر، ثم يحدد بعد ذلك نبرة الصوت؛ لرجلٍ أو امرأة لمطربٍ بعينه أو مغنيةٍ محددة، أو ان يُدخل أي بصمةٍ صوتية أخرى، ثم يحدد بعد ذلك أسلوب الأداء؛ كأن يكون بمصاحبة الجيتار الكلاسيكي فقط، أو بمصاحبة أوركسترا وترية أو غير ذلك من أشكال الداء الموسيقي، وبذلك يكون قد أنتج أغنيةً جديدة في عدد من الدقائق فقط؛ ويطلقها عبر الوسائط واضعاً صورة المغني الأصلي، ومدبجاً إياها بالشعار الذي يشير إلى إنتاج الخواجات لها بعد افتتانهم بها، وهي أغنية ليست لها صلة بالأغنية المعنية وصاحبة الاسم إلا من خلال نصها الشعري الذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية، فاللحن مختلف ولا صلة له بلحن الأغنية المعروف ومن أمثلة ذلك أغنيات في «ربيع الحب» لسَيِد خليفة و «لو بهمسة» لمحمد وردي وعدد من الأغنيات الأخرى.

ما ينبغي علينا الوقوف عنده وتنبيه هؤلاء الغافلين الذين يخدعون أنفسهم وبعض الناس ممن تعجبهم فكرة انتشار موسيقانا وغناءنا عالمياً ويحتفون بها، ما ينبغي علينا هو أن نذكِّر هؤلاء بأن موسيقانا واغنياتنا السودانية بكافة أشكالها الشعبية والتراثية والحديثة قد عاشت في أفئدة ووجدان الإنسان السوداني على مدى عقود بل بعضها لقرون؛ وفي مختلف بقاع السودان، وحملها هذا الإنسان معه في غربته وهجرته زاداً لا يستغني عنه، يربطه بوطنه وبأهله وبكل القيم والمعاني التي كونت وشكّلت روحه وحياته، وقد أدت دورها هذا على اكملِ وجه، واحترامنا وتقديرنا لها هو من احترامنا لذاتنا ولثقافاتنا وحضاراتنا التليدة، ويُحتمُ علينا هذا الاحترام والتقدير حمايتها من العبث وصونها والاحتفاء بقيمتها في حياتنا. إذاً هي ليست في حاجة إلى قيمة مُضافة لتكتسبها من استماع الآخرين لها، وإن حدث ذلك فيجب أن يكون بشكلٍ حقيقي؛ بمعنى أن يتناولها الآخر ويُعيد إنتاجها لأنها أعجبته فعلاً ووجد فيها شيئاً مختلفا؛ لكن أن نخدع أنفسنا والآخرين لمجرد وقوع هذه التقنية الحديثة بين أيدينا فهذا مما يخصمُ من قيمة ما لدينا ولا يُضيفُ عليها.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *